عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2024, 05:14 AM   #2
نور الحسني.
مراقبة عامة


الصورة الرمزية نور الحسني
نور الحسني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1060
 تاريخ التسجيل :  Sep 2022
 أخر زيارة : اليوم (07:57 AM)
 المشاركات : 518 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Iraq
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Sienna
شكراً: 0
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة
افتراضي



أنى للموغل في ظلام القلب والذنب، أن يفقه حرفاً من حالات النور الأول.
أو ليس الأولى بالقلب أن ييمم وجهه شطر حالاته هو بدلاً عن هذا المرتقى الصعب؟
هل استشعرت أيها القلب ما يدعو إلى تغير اللون وكثرة الصلاة، والدعاء بابتهال وليس مجرد الدعاء؟
وهل عراك طيف من وجل، ومسحة من إشفاق؟
ولماذا كل هذه الطمأنينة التي هي والغفلة سواء؟

لو أننا في ضيافة سيد المعصومين المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلّم، فكيف ينبغي أن يكون أدبنا معه؟ وكيف إذاً ينبغي أن يكون أدبنا مع الله عز وجل في ضيافته؟يمكننا أن ندرك من معاني النص المتقدم أنه كانت لشهر رمضان في نفس المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم مكانة خاصة جداً، فهل أنا وأنت كذلك بما يتناسب معنا؟

وبعد أن أورد السيد الروايات المتقدمة ركز في بيان أدب الضيافة على ثلاثة محاور:
الأول:
معرفة أهمية هذه الضيافة.
الثاني: معرفة حقيقة علاقة الضيف بالمضيف.
الثالث: معرفة الباب الذي يناسب الدخول منه حال الضيف.

وقال حول الأول:" واعلم ان شهر الصيام مثل دار ضيافة فتحت للأنام، فيها من سائر أصناف الإكرام والإنعام، ومن ذخائر خلع الأمان والرضوان، وإطلاق كثير من الأسراء بالعصيان، وتواقيع بممالك وولايات ربانيات حاضرات ومستقبلات، ومراتب عاليات، ومواهب غاليات، وطيِّ بساط الغضب والعتاب والعقاب، والإقبال على صلح اهل الجفاء لرب الأرباب. فينبغي أن يكون نهوض المسلم العارف المصدق بهذه المواهب إلى دخول دار الضيافة بها على(قدر) فوائد تلك المطالب بالنشاط والإقبال والسرور وانشراح الصدور..".

وبالمقارنة بين ماذكره هنا وما تقدم منه في غيره، يتضح أن المراد لو أن ملكاً من الملوك دعا شخصاً إلى ضيافته ووضع أمامه مئات المراسيم، وقال له: خذ ما تريد من هذه المراسيم وما فيها بدءاً من أصغر مرسوم ملوكي شديد الأهمية إلى أعلى مرسوم، فكيف يتعاطى الحريص على هذه الأمور مع هذه الفرصة المتاحة؟

وها نحن في ضيافة الرحمان أمام مواهب وعطايا لا تقاس بها على الإطلاق هذه المواهب التي يمكن لأكبر حاكم أو رئيس أو ملك أن يعطيها، فهل نعرف قيمة هذه المواهب؟باستطاعة أيٍّ منا أن يصبح من أهل التقوى، أواليقين، أو يحصل على درجة الشهادةأو علم التوحيد، إلى غير ذلك من العطايا الكبيرة والمواهب التي يمضي الإنسان عمره في الحصول عليها وقد لايحالفه التوفيق.

باستطاعة أيٍّ منا أن يُمنح في شهر الله تعالى " مكارم الأخلاق" والحال أنه قد يكابد عشرين سنة أو أكثر ليتخلص من حالة أخلاقية سيئة معينة كالرياء أو الحقد أو العجب، أو استبداد الغضب به، وربما أخفق في الخلاص منها.

إن جميع هذه العطايا والمواهب في متناول الناس بيسر، ولكنها ليست مطلقة بل بشرطها وشروطها.
وتسأل: حتى العاصي يمكنه أن يحصل على هذه المواهب والعطايا الإلهية في شهر رمضان المبارك؟
والجواب: بلى، وبكل تأكيد، لأن شهر رمضان المبارك ليس للعُبَّاد، والزهاد، فهؤلاء هم بشكل وبآخر من الواصلين، وشهر رمضان المبارك لنا نحن الغافلين، المقصرين، والغرقى في بحار المعاصي والذنوب، لكي نصل.

إلا أن هنا شرطاً أساسياً لا بد من الإلتفات إليه وهو الموضوعية وعدم المكابرة، والإعتراف بالخطأ. وهو العنوان الثاني الذي عالجه السيد بقوله:" وان كان قد عامل الله جل جلاله قبل الشهر المشار إليه معاملة لا يرضاها، وهو خجلان من دخول دار ضيافته والحضور بين يديه لأجل ما سلف من معاصيه(فليعلم أن ) لدار هذه الضيافة أبواباً كثيرة بلسان الحال: منها باب الغفلة فلا يُلِمَّ به ولا يدخل منه، لأنه بابٌ لا يصلح الا لأهل الإهمال".
يريد أنه إذا كان الصائم قد أساء إلى الله تعالى وعصاه قبل حلول هذا الشهر فليحذر أن يدخل إلى دار ضيافته عز وجل من باب الغفلة" أي أن يدخل شهرَ الله تعالى والضيافةَ فيه، وهو سادر في غفلته.

إن من يلبس ثياباً ممزقة، ملطخة بأنواع اللوثات، إذا حملته الغفلة إلى مجلس رسمي حافل، ثم تنبه لذلك، فإنه سيذوب خجلاً وتغمره الفضيحة، ويود لو أن الأرض تبتلعه بمجرد أن يرى نفسه في ذاك المجلس، فيصرخ القلب بأعلى الصوت: مالذي جاء بي؟! وبهذا المنظر؟! وعلى هذه الصورة النكراء إلى هذا المجلس الحاشد!فكيف إذا دخلتُ أنا الغريق في بحار الذنوب - الملطخ بالغيبة، وبعقوق الوالدين، والحقد، وحب الدنيا، وغير ذلك - إلى مجالس الأطهار، وشاركت في ضيافة الرحمن وأنا غافل.

كذلك هو حال غفلتنا أيها العزيز التي تحملنا إلى ضيافة الرحمن فندخل من بابها!
ومن تنبَه منا واستشعرالفضيحة، وحاول أن يتدارك الأمر، فإن هذا الشعور بالفضيحة، و ضرام نارالندم، قد يصل من العمق وقوة التأثيرإلى حيث يكون هوالتوبة الحقيقية النصوح التي لاتضاهى.

أما من دخل إلى ضيافة الرحمان وهوغافل، وأقام على ذلك، فسيكون مصداق من دخل من باب الغفلة كما يعبر السيد، وسينقضي الشهر ولا تكون حصيلته منه إلا الجرأة على ربه والمزيد من تراكمات الغفلة.إذاً من أين ندخل نحن أصحاب المعاصي إلى ضيافة الرحمن؟
هذا هو العنوان الثالث الذي يقول فيه السيد عليه الرحمة:" وإنما( ينبغي لمثله أن) يدخل من الباب الذي دخل منه قوم إدريس، وقوم يونس عليهما السلام، ومن كان على مثل سوء أعمالهم وظفروا منه بآمالهم، ويدخل من الباب الذي دخل منه اعظم المذنبين ابليس، قال جل جلاله: فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة الى يوم الدين، فدخل عليه جل جلاله من باب تحريم الأياس والقنوط من رحمته وقال: اجعلني من المنظرين، فظفر منه جل جلاله بقضاء حاجته وإجابة مسألته ".
وقصتا قوم إدريس ويونس عليهما السلام متشابهتان، يجمعهما الدخول من باب الأمل برحمة الله تعالى واليقين بعدم استحقاق الرحمة، بل باستحقاق العذاب.
وأما إبليس فقد علم أن الله عز وجل قد طرده، ومع ذلك طلب منه سبحانه أن يُنظِره إلى يوم الوقت المعلوم، فأنظره الله تعالى.

فينبغي للعاصي، صاحب الدواهي العظمى، الذي طالت إقامته على التمرد، أن يدخل من باب الأمل برحمة الله تعالى، ويكون لسان حاله:إلهي وسيدي، أنا لا أستحق، أعرف نفسي، وأني عاهدتك ربِّ مرة بعد أخرى فلم تجد عندي صدقاً ولا وفاءً، إلا أنك أكرم الأكرمين.
وهكذا يتضح أن خلاصة آداب الضيافة هي عدم المكابرة، وترك العناد، واعتماد الموضوعية بأجلى صورها، والواقعية بأبهى تجلياتها الممكنة من هذا الآبق الذي طال توثبه على المحارم، وتعديه حدود الله تعالى.

ويختم السيد ابن طاووس عليه الرحمة بقوله: "ويدخل أهل العصيان من كل باب دخل منه عاص، انصلحت بالدخول منه حاله وتلقاه فيه سعوده وإقباله، ويجلس على بساط الرحمة التي أجلس عليه سحرة فرعون لما حضروا لمحاربة رب الأرباب، فظفروا منه جل جلاله بما لم يكن في الحساب من سعادة دار الثواب. ويكون على الجالس المخالف لصاحب الرسالة آثار الحياء والخجالة، لأجل ما كان قد أسلف من سوء المعاملة لمالك الجلالة، وليظهرْ عليه من حسن الظن والشكر للمالك الرحيم الشفيق كيف شرَّفه بالإذن له في الدخول والجلوس مع أهل الإقبال والتوفيق إن شاء الله تعالى ".

والنتيجة هي أن علينا في هذا الشهر المبارك أن ندرك أننا أمام فرصة لا تعوَّض فنبذل كل ما نستطيع من أجل الوصول إلى رضوان الله عز وجل، ويتوقف ذلك على أن يدرك كلٌ منا ولو إجمالاً حقيقة طاعته لله سبحانه، وأن نعترف بمعاصينا و نلجأ إلى ربنا عز وجل ولسان الحال: "إلهي وقف السائلون ببابك. مسكينك بفِنائك. عُبَيدك بفِنائك. عادتك الإحسان إلى المسيئين، وسبيلك الإبقاء على المعتدين.




 

رد مع اقتباس