المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح دعاء الافتتاح


admin
10-02-2013, 08:54 AM
هذا الدعاء الذي يعتبر من سمات شهر رمضان المبارك ، ومن أحلى صور المناجات في هذا الشهر المبارك..

ومن المعلوم أن هذا الدعاء يدعى به في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك ، ويبدو أن الدعاء الواحد تكراره وإمراره على اللسان ، في أكثر من وقت ، وفي أكثر من فرصة ، من موجبات ترسخ معاني ذلك الدعاء في قلب الإنسان الداعي.

إن الصائم عندما يصوم نهاره ، فإنه يتحين ليالي شهر رمضان المبارك ، ليثّبت المكاسب التي اكتسبها من خلال صيام النهار ، وليناجي ربه.. غير أن الدعاء على صور ودرجات :

فمنه : الدعاء الذي يقرأ قراءة ، ويتلى تلاوة ، من دون تدبر وتفكر.. فهذا الدعاء لا يسمى دعاء ، وإنما هو قراءة للدعاء.. وأنا أعتقد أن أغلب الناس يقرؤون الأدعية قراءة ، ولا يدعون بها دعاء..

ومنه : الدعاء التربوي والتأملي.. بعض الناس يقرأ الدعاء وهو يتفكر في معاني ذلك الدعاء ، من دون أن يعيش حالة الطلب والخطاب مع المولى عز اسمه..

وأما النوع الثالث : فهو الدعاء بمعنى التفاعل القلبي.. إن الدعاء طلب ، والإنسان الذي يطلب شيئاً من كريم ، فإنه يعيش حالة الذلة والتواضع والمسكنة.. ومن هنا فإن الدعاء البليغ ، هو ذلك الدعاء الذي يجمع بين التلاوة الفصيحة ، التي فيها حالة من حالات الإقبال والتذلل والخضوع بين يدي المولى ، والتدبر في المضامين ، والتفاعل القلبي.. فمجموع هذه التفاعلات ، يوجب حالة من حالات الانقطاع إلى الله عزوجل.. ويصل المؤمن إلى درجة من الأنس والدلال أنه يتحين الفرصة ليتحدث مع ربه ، كما كان الكليم (ع) ، حيث عندما سئل عما في يده ، وإذا به تحين الفرصة ليتحدث مع الله عزوجل في حديث مسهب : {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}..

فإذن، إن المؤمن إذا تعود الحديث مع رب العالمين ، فسوف لن يرى لذة في عالم الوجود أغلى وأعلى من لذة الأنس مع الله سبحانه وتعالى.. ولهذا حق لنبينا الأكرم أن يقول : (أبرد يا بلال !) ، عندما كان يحين وقت الصلاة.. والبعض قال (أبرد) بمعنى البريد ، أي عجل.. والبعض قال (أبرد) بمعنى البرد ، أي أبرد نار الشوق إلى الله عزوجل.. وهنيئاً لمن توفق في هذه الليالي المباركة ، ليفتح صفحة جديدة مع ربه !..

اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا ، واجعله خير شهر رمضان مر علينا ، بمنك وكرمك !.

.. لإستماع هذا الدعاء العظيم أو تنزيله ..
http://shiavoice.com/cat-558.html

admin
10-02-2013, 08:54 AM
- (اَللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ..)..

إن الملاحظ بأن كلمة (اللهم) من الكلمات المتكررة في دعاء الافتتاح.. فالإنسان ينادى ربه في كل فقرة بكلمة (اللهم).. ومن المعلوم بأن كلمة (اللهم) أصله خطاب مع الله سبحانه وتعالى ، أي يا الله.. ولهذا يقول علماء الأخلاق أنه عندما نقول (اللهم) ، لابد أن نستحضر حالة الخطاب مع المولى عز اسمه ، بأدنى درجات التوجه.. فالذي يقول (اللهم) ، أو يقول يا الله ، أو يا إلهي ، أو يا ربي ؛ وهو يعيش حالة من حالات الذهول ، فإن هذه الحركة من موجبات صدق عنوان سوء الأدب بين يدي المولى.. ولهذا ينبغي أن يهيئ الإنسان نفسه ، قبل أن يقول (اللهم) ، بأن يحاول أن يفرغ الفؤاد والفكر من كل الشواغل ، ومن كل موجبات الذهول ؛ ليقول كلمة (اللهم) ، وهو على مستوى من استحضار حقيقة واجب الوجود ، والحديث مع رب العالمين.



- (وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ اأرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ ، وَاأشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ..)..

(وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ) : إن هذه العبارة من العبارات المخيفة جداً !.. لأنه نحن لا نعلم متى تنزل علينا العقوبة الإلهية ، فرب العالمين يمهل ، ولكنه لا يهمل !.. والخوف كل الخوف من المعاصي التراكمية !.. فالإنسان قد يذنب ، ويذنب ، ولكن الله عزوجل يتجاوز عنه ، ولكن الذنوب قد تتجمع وتتجمع ، إلى درجة توجب القطيعة بين العبد وبين ربه ، وهذه نقطة خطيرة جداً !.. حيث أن الله عزوجل -كما يقول في كتابه الكريم- ، لو أنزل غضبه على العبد ، فإنه سيهوى إلى أسفل سافلين : {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}.. فالخوف من هذه الذنوب.. ونحن لا نعلم ما هو الذنب الذي يقصم ظهر الإنسان ، فقد يكون ذنب صغير ، ولكن هذا الذنب الصغير أضيف إلى قائمة الذنوب السابقة ، والتي قد تكون من الذنوب التي تهتك العصم ، وإذا به يحل عليه الغضب المؤجل !..



ولكنه أيضاً علينا أن نمني نفسنا بهذه العبارة : (اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ).. ولا شك أن هذه الليالي المباركة في هذا الشهر الكريم ، هي الفرصة النادرة التي انتظرناها حولاً كاملاً ، لنعيد ارتباطنا ، ولنعيد علاقاتنا مع رب العالمين.. وهنيئاً لمن خرج من هذا الشهر برضوان الله عزوجل وغفرانه ، إنه سميع مجيب !.

admin
10-02-2013, 08:55 AM
- (اَللّـهُمَّ أَذِنْتَ لي في دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ فَاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي ، وَأجِبْ يا رَحيمُ دَعْوَتي ، وَأَقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتي ..)..

إن بعض آيات القرآن الكريم الداعية إلى رجوع العبيد إلى ربهم ، من أرق الآيات الكريمة ، كقوله تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.. إن رب العزة والجلال المستغرق في جلاله وكماله ، الذي بيده مقاليد السماوات والأرض ؛ وإذا به يطلب من عبده أن يتحدث معه ، وأن يتودد إليه !.. وهذه من روائع أخبار أهل البيت (ع) ، عن رسول الله (ص) : (إنّ العبد ليدعو الله وهو يحبّه فيقول : يا جبرائيل !.. اقض لعبدي هذا حاجته وأخّرها ، فإنّي أحب أن لا أزال اسمع صوته).. يا لهذه العلاقة الحميمة بين العبد وربه !.. العبد يدعو ربه ، والرب يقضي حاجته ، ولكن يؤخر عنه الإجابة ، لأنه يحب أن يسمع صوته.. ولكن المؤسف أنه طبيعة المؤمنين أنهم يدعون ، ما داموا يعيشون حالة المسكنة والاحتياج.. ومن هنا فإن الإنسان الذي يدعو ربه وهو ليس في شدة ، وليست له حاجة من الحوائج المتعارفة ، وإنما يناجي ربه حباً وعشقاً ورغبة ، وتلذذاً بمناجاة الله عزوجل ، فإن هذا الإنسان على مستوى راقٍ ، من فهم فلسفة الوجود ، وموقع الإنسان من ربه.



وعليه، فإن الإنسان الصائم - وهذه الأيام قد يكون الصوم للبعض ، صوم شاق ومحرج ، في بعض الظروف ، حيث حرارة الجو ، وغلبة العطش في بعض البلاد مثلاً - عندما يعلم أنه في حال الامتثال لأمر المولى جل وعلا ، فإن لذة الخطاب الإلهي تذهب بعناء التعب الذي يعيشه.. فهو عندما يعلم بأن الله عزوجل خاطبه بهذه الآية : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ، ويصوم امتثالاً لهذا الأمر الإلهي ، ويعيش حالة الامتثال لأمر الله عزوجل ، وأن الله عزوجل شرفه بالتكليف والخطاب ؛ فإن هذا الإحساس يوجب له حالة اللذة.



- (فَكَمْ يا إِلهي مِنْ كُرْبَة قَدْ فَرَّجْتَها وَهُمُوم قَدْ كَشَفْتَها ، وَعَثْرَة قَدْ أَقَلْتَها ، وَرَحْمَة قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاء قَدْ فَكَكْتَها..)..

ثم يشكر العبد ربه ، كيف أنه فك عنه حلقات البلاء.. فكم من البلاءات التي يصرفها رب العالمين عن عبده وهو لا يعلم.. حقيقة يوم القيامة سوف نخجل من ربنا كثيراً ، أنه دفع عنا صنوفاً من البلاء ، ونحن لم نعلم بذلك.. فنحن نشكر النعم الإيجابية ، والنعم الوجودية ، ولكن البلاءات التي دفعت عنا ، هل شكرنا ربنا على ذلك ؟.. لا أدري ماذا أشكر ؟!.. أجميل ما تنشر ، أم قبيح ما تستر !..

إذن، رب العالمين في هذه الليالي المباركة يدفع عنا صنوف البلاء ، الذي قدر علينا في طوال السنة.. ومن هنا المؤمن في ليالي القدر ، يطلب من ربه عزوجل أن لا يبتليه في أيام سنته ببلاء في دينه : اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا !.. ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا !..

نسأل الله عزوجل بحرمة هذه الليالي المباركة ، أن يفتح علينا أنواع رحمته ، وأن يقينا غضبه وسخطه !.

admin
10-02-2013, 08:55 AM
- (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً..)..

إن دعاء الافتتاح دعاء مليء بالمعاني التوحيدية ، والذي يراد منه أن يربطنا بحالة الأنس بواجب الوجود ، والإحساس بأن الله عزوجل هو المهيمن ، وهو المسيطر ، الذي أزمة الأمور طراً بيده ، والكل مستمدة من مدده..



ومن المناسب لو نترجم هذه المعاني ، إلى واقع معاش في حياتنا السياسية ، وفي تعاملنا مع الأعداء ، ومع القوى الكبرى.. فالإنسان المؤمن عندما يعيش هذه الحقيقة ، بأن الله عزوجل هو مالك الملك ، وليس هنالك شريك له في هذا الملك ، ولا يضاده في ملكه أحد ، ويعيش حقيقة الهيمنة الإلهية والسيطرة الإلهية على عالم الوجود ؛ فإن هذا الإحساس يوجد في العبد حالة من حالات الاستعلاء والاستغناء.



ومن المعلوم أن النبي الأكرم (ص) عندما واجه كفار قريش - بجبروتها وقوتها ، القوة الكبرى في ذلك العصر- ، في أول معركة من معارك الإسلام الخالدة ، والتي كانت في هذا الشهر المبارك ، خاطب ربه قائلاً : يا رب !.. إن تَهلك هذه العصابة لا تُعبد.. الملاحظ أن النبي الأكرم (ص) جعل الأمر بيد الله عزوجل ، وأنه هو الذي يقرر في عباده ما يشاء ، وكيف يشاء.. وإذا بالمدد الإلهي ينزل بالملائكة المسومة ، والتي كانت -في جوار جهود المسلمين في معركة بدر- من موجبات نصر المسلمين.



بالإضافة إلى أن الذي يعيش هذه الحقيقة ، أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله سبحانه وتعالى ، وأن بيده مقاليد الأمور ، فإنه سيصل إلى جوهر كلام علي (ع) -الشهيد في هذا الشهر المبارك- ، حيث يقول (ع) : (عظم الخالق في أنفسهم ، فصغر ما دونه في أعينهم).. فإذن، الذي يعيش حقيقة مالكية وملكية الله عزوجل لهذا الوجود ، سوف يرى كل شيء في عالم الوجود صغيراً وحقيراً.. ومن هنا نلاحظ العزة الإيمانية التي يعيشها المؤمن في مواجهة قوى الشر في الوجود ، فهذه الحقيقة لا تغيب عن بالهم أبداً.. ثم إن رب العالمين فوض الأمور إلى عبده ، إلا أن يذل نفسه ؛ لأنه مرتبط بعزة الله عزوجل.. ورد في الحديث القدسي : (أنا العزيز.. فمن أراد عزّ الدارين ، فليطع العزيز ).

وفقنا الله تعالى وإياكم ، لأن نكون من عباده الصالحين !.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

admin
10-02-2013, 08:55 AM
- (اَلْحَمْدُ للهِ الْفاشي في الْخَلْقِ أَمْرُهُ وَحَمْدُهُ ، الظّاهِرِ بِالْكَرَمِ مَجْدُهُ ، الْباسِطِ بِالْجُودِ يَدَهُ ، الَّذي لا تَنْقُصُ خَزائِنُهُ ، وَلا تَزيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطاءِ إلاّ جُوداً وَكَرَماً ، إِنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الْوَهّابُ)..

إن الملاحظ في هذه الفقرة من دعاء الافتتاح بأن هنالك تركيز وتذكير بالكرم الإلهي.. فالوجود برمته هو انعكاس لهذا الكرم الإلهي ، فمن كرمه أنه أخرج الوجود من ظلمة العدم إلى نور الوجود.. إن رب العالمين كرمه ، كرم لا يحد ولا يوصف ، كما نقرأ في دعاء رجب : ( يا من يعطي من سأله !.. يا من يعطي من لم يسأله ، ومن لم يعرفه ؛ تحنناً منه ورحمة !.. ) يا له من جود وكرم !.. إن رب العالمين عطاؤه لا فقط يمتد لعباده المؤمنين ، سواء كان بسؤال أو بغير سؤال ؛ بل حتى أولئك المنحرفون ، والذين ينكرون وجود الله عزوجل ، بل يحاربون أولياء الله عزوجل ، فهم متنعمون بنعم الدنيا ، ولعله أكثر من المؤمنين.. نعم، رب العالمين هكذا بسط يده بالجود..



والثمرة العملية لهذه المناجاة ، هي أن نتشبه بأخلاق الله عزوجل.. المؤمن لا ييأس أبداً ، أن يصل إلى درجة من درجات التكامل ، تنعكس فيها الصفات الإلهية في وجوده ، بحسب قدراته البشرية.. نعم، المؤمن يصل إلى درجة من درجات التكامل ، يصبح مظهراً لأسماء الله الحسنى ، ومنه الكرم..



إن المؤمن وجود كريم ، لا بمعنى الكرم في المال فحسب ، بل الكرم بمعناه الأوسع الأعم.. فالمؤمن ينفق مما آتاه الله عزوجل ، إن كان علماً ، أو جاهاً ، أو مالاً... وهذا الشهر الكريم ، هو شهر العطاء ، وشهر الإكرام ، وكما قلنا : إكرام كل واحد بحسبه..



ولا شك إن الإكرام الأكمل في هذا الشهر المبارك ، هو أن يأخذ الإنسان بيد عبد قد أرهقته الذنوب ، وأن يأخذ بيد عبد قد ضل الطريق.. فإن من أفضل صور التحبب إلى الله عزوجل ، سوق العباد التائهين إليه تعالى.. ولا ينكر بأن إفطار الصائم فيه ثواب كثير ، ولكن ما هو أعلى وأغلى وأجل من إفطار الصائم ، هو دعوة المفطر إلى الصيام ، وأن يسوق عبداً إلى ربه ، بعد أن أكثر من المعاصي ، وبما أوجب له البعد من الله عزوجل ، بكلمة يغير بها مجرى حياته ، فإن هذه الكلمة أوقع في ميزان أعماله من الإطعام الظاهري.. فالإطعام الظاهري يقيم ظاهر الإنسان ، بينما الإطعام الباطني الروحي -كما في قوله تعالى : {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} ، حيث فسر الطعام بأنه هو العلم الذي يأخذه- ، يحدد مصيره الأبدي شقاء وسعادة.



وعليه، فمن يريد أن يتشبه بالله عزوجل في كرمه ولطفه ، فينبغي أن ينظر إلى الحقول التي من الممكن أن يدخل فيها ، ليسوق العباد إلى طاعة الله عزوجل.. وكلما أحسنّا إلى العباد في هذا المجال ، كلما تنزلت علينا الرحمة الإلهية بأعلى صورها.. ومن أفضل صور الرحمة الإلهية ، أن يختار رب العالمين عبداً لنفسه.. يا له من مقام عظيم !.. ذلك المقام الذي خُص به الكليم ، حيث أختاره الله عزوجل لنفسه ، وصنعه على عينه ، واختاره لمناجاته..

نسأل الله عزوجل أن يجعلنا من هؤلاء ، بمنه وكرمه ، إنه سميع مجيب !.

admin
10-02-2013, 08:56 AM
من المناسب أن يجعل الإنسان المؤمن لنفسه محطتين ، في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك : محطة في أول الليل بهذا الدعاء الشريف ، ومحطة في آخر الليل في ضيافة إمامنا زين العابدين (ع) ، حيث دعاء السحر وتلك المناجاة البليغة.. فإن الالتزام بقراءة هذه الأدعية بتوجه ، من موجبات الخروج من هذا الشهر المبارك ، لا بغفران الله عزوجل فحسب ، بل برضوانه.



- (اَللّـهُمَّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبي ، وَتَجاوُزَكَ عَنْ خَطيـئَتي ، وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمي وَسِتْرَكَ عَنْ قَبيحِ عَمَلي ، وَحِلْمَكَ عَنْ كَثيرِ جُرْمي ، عِنْدَ ما كانَ مِنْ خَطئي وَعَمْدي ، أَطْمَعَني في أَنْ أَسْأَلَكَ ما لا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْك..)..



في هذه الفقرة العبد يشير إلى صفح المولى جل وعلا.. إن الإنسان لو تأمل في حياته اليومية ، لرأى أن الحياة كأنها صفحة متكررة ، ورأى نفسه فيها يتقلب تارة بين المعصية ، وتارة بين الغفلة ، وعلي (ع) في دعاء كميل يشير إلى هذا الواقع ، إذ يقول : (وَكَثْرَةِ شَهَواتِي وَغَفْلَتِي).. هب أن الإنسان وقى نفسه من المعاصي -وهذه درجة عالية ، أن يصل العبد إلى مرحلة العدالة أو العصمة النازلة- ، ولكن ماذا نعمل بالغفلات !.. كم من الساعات التي أمضيناها بالغفلة عن ذكر الله عزوجل ؟!..



لو أن الإنسان نظر إلى الساعات الضائعة من حياته ، في حال الغفلة والسهو ، والسكوت الذي لا تدبر معه ، في الحضر أو في السفر ، وجمع هذه الساعات ، لانتابته حالة من حالات الأسف والأسى.. ومن هنا فإن يوم القيامة هو يوم التغابن -يوم الحسرة- ، لا من الذنوب فحسب ، وإنما من الساعات التي لم نستثمرها حق الاستثمار.. ومن منّا صام هذا الشهر المبارك حق صيامه ؟!.. ومن منّا قام في هذا الشهر المبارك حق قيامه ؟!.. وعليه، فالخوف في محله بأن يكون الإنسان ممن صدق فيهم هذا القول : كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ !.. وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء !..



ومن الراجح أن يقف الإنسان مع نفسه وقفة تأملية ، لينظر ماذا تغير في وجوده عن شهر رمضان المنصرم.. ليسأل نفسه : ما الذي حصل عليه من نمو ذاتي باطني ، وقد مرت عليه سنة كاملة بمواسمها العبادية المتميزة ؟!.. أين النمو الذاتي ؟!.. أين كراهة المنكر ؟!.. أين حب الواجب ؟!.. أين الأنس يذكر الله عزوجل ؟!.. كم بلغنا من القرب من الله عزوجل ، بحيث نعيش حالة الحب الإلهي ، الذي يغطي ويسيطر على كل حب سواه ؟!.. هذه أسئلة علينا أن نجيب عليها.. وهنيئاً لمن رأى في نفسه نمواً يعتد به ، نمواً في الباطن -في الجوانح- ، إضافة إلى الإطاعة في الجوارح..

جعلنا الله تعالى ممن جمع بركة الباطن والظاهر -الجانحة والجارحة- بحق محمد وآله

admin
10-02-2013, 08:56 AM
- (فَاِنْ أَبْطأَ عَنّي عَتَبْتُ بِجَهْلي عَلَيْكَ ، وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُْمُورِ..)..

في هذه الفقرة من دعاء الافتتاح يشار إلى حقيقة مهمة ، لو التفتنا إلى هذه الحقيقة لحلت لدينا مشكلة من المشاكل ، وهذه المشكلة متمثلة في الشكوى من عدم استجابة الدعاء.. فالعبد يدعو ربه دعاءً بليغاً حثيثاً في جوف الليل ، أو في ساعة السحر ، أو في ليالي شهر رمضان المبارك ، ولكن لا يرى أثراً للإجابة.. وهنا يأتيه الشيطان ليقول له بأنه أين الإجابة ؟.. أين الوعد الإلهي لعبده حيث قال تعالى : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ} ؟.. وهكذا يوسوس له الشيطان ، وإذا به يتحول الأمر من عدم الإجابة إلى ما هو أسوأ من عدم الإجابة ، ألا وهو الشك في قدرة الله تعالى ، وفي كرمه ، ويعيش حالة من حالات السخط وعدم الرضا بالقضاء الإلهي.



ولكن هذه المشكلة يجاب عليها في خلال هذا الدعاء ، فأدعية أهل البيت (ع) ليس لمجرد الدعاء ، وإنما لذكر مفاهيم كبرى في هذا الوجود..

إن العبد ينظر إلى حياته الدنيا ، إلى هذه السويعات القصيرة في الحياة الدنيا ، ولا يلتفت إلى أن هذه السويعات تقرر مصير الأبد.. إن البلاء الذي يعيشه الإنسان المؤمن في سنة من عمره ، فإنه يتحول إلى نعيم خالد وإلى جزاء لا يخطر ببال أحد في عرصات القيامة.. والإنسان المؤمن طموحه عالٍ ، فهو يريد أن يعيش الأبدية في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. لماذا نتبرم من بلاء قصير في هذه الحياة الدنيا ؟!.. لنكن كما في وصف المتقين لعلي (ع) : (صبروا أياماً قصيرة ، أعقبتهم راحةً طويلة)..



إذن، المؤمن الذي لا يعلم عواقب الأمور ، ولم يكشف له الغطاء ، ولا يعلم ما الذي أعده الله عزوجل لعباده المؤمنين ؛ لماذا يستعجل قضاء الحوائج ؟!.. إذا كان يعلم بأن الله عزوجل سوف يعوضه بما لا يخطر على بال أحد ، فإن هذا الإحساس يوجب له السكينة.. ولهذا امرأة فرعون -وهي امرأة وزوجة شر خير خلق الله- ، كانت تتحمل ذلك التعذيب ، وتطلب من الله عزوجل أن ينجيها من عذاب فرعون ؛ لأنها تعلم ما الذي ادخره الله عزوجل لها ، ويا لها من امرأة صابرة !.. وما يؤكد شدة يقين هذه المرأة ، أنها تطلب من الله عزوجل بيتاً في الجنة ، وهذا البيت يبنيه رب العالمين ، هي تطلب مقام العندية عند الله سبحانه وتعالى : {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}..



وكم من القبيح أن يعاتب الإنسان ربه ، متهماً إياه بعدم حكمته !.. والعبد قد لا يصرح بهذه المعاني ، إذ لو أجراها على اللسان لوصف بالكفر ، ولكن الكثيرون منّا -من دون مجاملة- في مقام العمل يكفر بالله عزوجل.. وهنيئاً لمن وصل إلى مرحلة التوحيد الشامل الكامل في كل أبعاد وجوده.. رزقنا الله تعالى وإياكم بمنه وكرمه !.

admin
10-02-2013, 08:56 AM
- (اِنَّكَ تَدْعُوني فَاُوَلّي عَنْكَ ، وَتَتَحَبَّبُ اِلَيَّ فَاَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَىَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ ، كَاَنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ..)..

إن هذه الفقرة من فقرات دعاء الافتتاح تستحق البكاء والتألم وذرف الدمعة ، فهي من الفقرات الموجعة للقلب ، والمثيرة لحالة الأسف والأسى ؛ لما يصل إليه العبد في تعامله مع ربه.. إن رب العالمين في كتابه الكريم ، ومن خلال سنة حبيبه المصطفى (ص) وذريته الطاهرة ، كم دعانا ، كم أمرنا ، كم نادانا بيأيها الذين آمنوا ، كم حذرنا من موارد الهلكة ، كما حذرنا من عدم تجاوز حدوده ؛ ولكن العبد بمخالفته يولي عن ربه ، ويتحدى ربه !..



لو أن إنساناً تجاوز حدود مملكته إلى مملكة أخرى ، ولو شبراً واحداً ، فإنه يعد في عرف الدول إنساناً متسللاً ، اخترق الحدود.. رغم أنه ما تجاوز إلا خطاً وهمياً ، وما تجاوز إلا شبراً ، ولكن هذا يعد اختراقاً للحدود ، ويعد تعدياً على مملكة الغير.. فقد تكون المعصية صغيرة.. قد يكون هناك تطاول على زوجة مسكينة مستضعفة في جوف الليل ، حيث لا ناصر لها إلا الله عزوجل ، ولكن القرآن الكريم يعتبر ذلك تعدياً لحدود الله عزوجل.. ومن هنا قيل : (لا تنظر إلى صغر المعصية , ولكن انظر إلى من عصيت).



- (فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لي ، وَالإحْسانِ إِلَىَّ ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ..)..

إن رب العالمين دأبه مع عباده أنه لا يبادر بالنقمة.. إذ طالما تجاوزنا هذه الحدود قبل شهر رمضان المبارك !.. والكثيرون عندما يدخل الشهر يصومون الشهر ، ولكن بعد أحد عشر شهر من المعصية وتجاوز الحدود ، وبعض الناس ممن هم على مستوى ارتكاب الكبائر وترك الواجبات ، ولكن هم عندما يصومون هذا الشهر فإن رب العالمين يفتح لهم صفحة جديدة في هذا الشهر الكريم ، فيرون في أنفسهم إقبالاً على الله عزوجل.. فإذن، حتى هؤلاء العصاة طوال السنة ، تراهم يعيشون حالة الأنس بهذا الشهر الكريم.



ومن المعلوم أنه في هذا الشهر الكريم الأبواب مفتحة ، وأنفاسنا فيه تسبيح ، وهذا النوم الذي هو الموت الأصغر يتحول في شهر رمضان إلى عبادة ، والدعاء فيه مستجاب ، وأيدي الشياطين مغلولة.. فهنيئاً لمن أغتنم هذه الفرصة النادرة ، ليقيم علاقة جديدة مع ربه !.. ثم هذه العلاقة التي نقيمها مع رب العالمين من بركات أسحار هذا الشهر المبارك ، لنحاول أن نبقيها طوال السنة.. هذا الإنس ، وهذه المصالحة ، وهذه العودة والإنابة إلى الله عزوجل المكتسبة في هذا الشهر الكريم ، علينا أن نستصحبها ، وأن نعممها ، وأن نتزود منها طوال السنة ، لنكون من عباده الصالحين.



- (فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجاهِلَ ، وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ.. )..

ثم هو يقدم اعتذارًا لربه ، ويقول يا رب، أنا الذي قمت به باعتبار جهلي..

ولكن أقول أخيراً : يوم القيامة عندما يتعذر العبد ، ويتمسك بعذرية الجهل ، يأتيه الخطاب هلا تعلمت !.. إذن، العتاب في محله.. لنحاول في هذا الشهر المبارك ، أن نخرج بزاد لا يفارقنا طوال العام ، إلى أن نلتقي بالله عزوجل ، ليرينا وجهه الكريم ، بمنه وكرمه ، إنه سميع مجيب !.

admin
10-02-2013, 08:56 AM
- (اَلْحَمْدُ للهِ مالِكِ الْمُلْكِ ، مُجْرِي الْفُلْكِ ، مُسَخِّرِ الرِّياحِ ، فالِقِ الإِصْباحِ ، دَيّانِ الدّينِ ، رَبِّ الْعَالَمينَ..)..

أن هذه الفقرات من الفقرات التي تعطينا استراتيجية واضحة ومحفزة في تعاملنا مع رب العالمين.. الإنسان عندما يدعو ، فهو يدعو من ؟.. وعندما يصلي ، فيصلي أمام من ؟.. رب العالمين هو مالك الملك ، هو ذلك الذي كل الوجود بين يدي قدرته ، فعّال لما يشاء ، خالق الذرة إلى المجرة.. من المناسب أن نعيش حالة الإحساس بأن الله عزوجل الذي نخاطبه في صلواتنا ، والذي نطوف حول بيته في حجنا أو في عمرتنا ، والذي نقوم في أسحار شهر رمضان المبارك مناجين إياه ؛ هو ذلك الذي من بيده نواصي الخلق طراً ، مالك الملك..



فالذي يريد ملكاً فإن عليه أن يرتبط بمالك الملك.. ومن أجلى وأفضل صور الملكية ، هي ملكية القلوب.. فالمؤمن يتمنى من الله عزوجل ، أن يعطيه قدرة على اختراق القلوب ، وبالأخص القلوب المتعطشة للهدى الإلهي.. ولهذا نحن عندما نقرأ سير العلماء السابقين ، نلاحظ هناك تعبير جميل في حياة بعض العلماء ، وهو قولهم بأن (فلان رزق القبول).. أي أن الله عزوجل رزقه قدرة التأثير ، وجعل له مقبولية في نفوس الخلق ، بحيث هو عندما يتكلم فإن كلامه ينفذ في قلوب الآدميين.. وهذه من النعم الكبرى على عبده المؤمن ، أن تتجاوب معه القلوب ، كما كانت الجبال تتجاوب مع نبي من أنبياء الله عزوجل.



فإذن، إن النظر إلى تصرف رب العالمين وتدبيره لهذا الوجود ، هذا التدبير المذهل ، من موجبات تقوية العلاقة والتعرف على رب العالمين.. ومن المعلوم هذه الأيام أن الأساطيل تجوب البحار ، وعليها عشرات الطائرات ، وإذا بهذا الماء السيال يحمل هذا الوجود الثقيل ؛ نظراً لخاصية من خواص الماء وهي قانون الطفو ؛ ولكن من الذي جعل هذه الخاصية في البحار ؟.. إن رب العالمين هو الذي يسخر الرياح ، ويسخر هذه السحب التي تسوقها الرياح اللواقح من بلد إلى بلد.. ومن المعلوم أنه سخر هذه الرياح لنبي من أنبيائه وهو سليمان.



فالذي سخر الرياح ، وسخر الفلك ، وسخر البحار في أمور المعيشة ، هو الذي أيضاً يسخر القلوب لما فيه رضاه.. ومن هنا فالذي يشكو زوجاً غير صالح ، أو زوجة غير صالحة ، أو ذرية غير صالحة ، إذا أراد أن يتكلم وأن يتحدث معهم بما يؤثر في سير حركتهم في الحياة ، وأن يلين قلوبهم لذكر الله عزوجل ، من المناسب أن يتوسل إلى الله عزوجل ، ويقول : يا مقلب القلوب !.. يا مسخر الرياح !.. يا فالق الإصباح !.. أنت الذي حملت الفلك على البحار ، يسر لي سبيلاً وطريقاً إلى قلوب هؤلاء !..



وهنيئاً لإنسان رزق القبول في هذا المجال !.. فالمؤمن الذي وجد سبيلاً إلى ربه ، فإن رب العالمين يضفي عليه التأثير ، كما تشير بعض النصوص ، أنه قد يكون الرجل لا يتقن قولاً ، ولا يتصف بالبلاغة في الحديث ، ولكن قلبه يزهر كالمصباح : (تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو ، خطيبا مصقعاً ، ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم.. وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه بلسانه ، ولقلبه يزهر كما يزهر المصباح).. أي يتكلم في النفوس وفي القلوب ، وإذا به يغير مجرى حياة أمة بكلمته..

وهذه الأيام نلاحظ بأن الإسلام المنتشر في بعض البلاد النائية ، هو من بركات مسلم تاجر ، ذهب إلى بلاد نائية ، وإذا به يفتح القلوب على ذكر الله وعلى الهدى الإلهي.. هنيئاً لمن رشحه الله لأن يكون من الدعاة إلى طاعته !..

اللهم اجعلنا من الدعاة إلى طاعتك ، والقادة إلى سبيلك بحق محمد وآله !.

admin
10-02-2013, 08:56 AM
حقيقة إن حلاوة هذا الدعاء الذي نترنم به في ليالي شهر رمضان المبارك ، يفوق كل حلاوة مادية في هذا الشهر.. ومن المعلوم أن البعض يحاول أن يعتني بمطعمه وبمشربه في هذا الشهر الكريم ، ولكن البعض يبحث عن هذه الكنوز التي أودعها الله عزوجل في هذا الشهر الكريم ، شهر القرب والمصالحة والتودد إلى رب العالمين.



- (اَلْحَمْدُ للهِ عَلى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلمِهِ ، وَالْحَمْدُ للهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ ، وَالْحَمْدُ للهِ عَلى طُولِ أَناتِهِ في غَضَبِهِ ، وَهُوَ قادِرٌ عَلى ما يُريدُ..)..

في هذه الفقرة نتعلم درس الصفح والعفو بعد المقدرة.. إن رب العالمين هو أقدر القادرين ، إذ كلنا نواصينا بيد الله عزوجل ، والوجود في قبضته ، والسماوات مطويات بيمينه.. ولكن في نفس الوقت رب العالمين يرى عباده وهم منغمسون في معصيته ومخالفته - من منا لم يعص ربه !- والكثيرون من الصائمين هم أهل الكبائر في أيام سنتهم ، ولكن الله عزوجل يتودد إليهم في شهر رمضان المبارك ، ويدعوهم إلى طاعته.. إن رب العالمين يتأنى وهو مليء بالمبادرة ، ويصبر وهو القادر على الانتقام.. فهلا تعلمنا درس العفو والصفح !.. وخاصة بين ذوي الحقوق.. إنسان له زوجة صالحة إجمالاً ، ربت له الأولاد ، وتعبت في منزله ، وأمضت ريعان شبابها في خدمته وراحته ، ولكنها زلت زلة في يوم من الأيام ، أو في ساعة من الساعات ، نرى أنه ينتقم منها ، متناسياً كل هذا التأريخ الطويل !.. أين العفو بعد المقدرة ؟!.. أين التأسي بهذه الصفة الإلهية ؟!.. ومن المعلوم أن من يريد أن يصل إلى ملكوت الأسماء الحسنى ، وأن يصبح مرآة عاكسة لصفات الله وجلاله وجماله ، فإن عليه أن يتأدب بهذه الآداب.



ومن منن الله على عبده هو أن يشرح صدره ، لأن هذا مما يعينه في أموره الحياتية كثيراً ، فليسأل الإنسان ربه في ليالي شهر رمضان المبارك شرح الصدر.. فهذا نبي الله موسى (ع) أراد أن يذهب إلى طاغوت زمانه ، وإذا به يدعو ربه قائلاً : {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}.. وكم من الجميل أن تتحقق هذه الصفة في الإنسان !.. أن يكون على مستوى بحيث تكون له القدرة على أن يستوعب الصدمات ، وأن يستوعب إساءة الخلق ، وأن يكون صبوراً حليماً ، متأسياً بأئمة أهل البيت (ع) ، كالإمام المجتبى (ص) المعروف بحلمه.. بل إن خريجوا هذه المدرسة لهم مواقف رائعة في هذا المجال ، ويحسن بنا أن نقتدي بهم في تعاملهم مع الناس.. كمالك الأشتر الذي يعد القائد العام لقوات على (ع) العسكرية ، فلننظر كيف هو تعامل مع ذلك الذي تجاسر عليه وأهانه ، حيث لم يحلم عنه فحسب ، بل أنه ذهب إلى مسجد ليدعو لمن أهانه.. يا لها من عظمة !.. فهلا تأسينا بهؤلاء العظماء !.. فهذه هي صفة الحلم والعفو بعد المقدرة التي كانت فيهم (ص).



- (الَّذي بَعُدَ فَلا يُرى ، وقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوى تَبارَكَ وَتَعالى..)..

هنيئاً لمن اتخذ الله جليساً !.. فكان في أسحار شهر رمضان المبارك يجالس ربه ، ويناجيه ، ويأنس برفقته ، وقد أشار علي (ع) إلى هذه الحقيقة في قوله : (لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان).. وفي قوله (ع) رداً على من يسأله هل رأيت ربك : (وكيف أعبد رباً لم أره).. فالذي يناجي ربه في خلوات الليل ، فإن الله تعالى جليسه ، كما ورد في الحديث القدسي : (أنا جليس من ذكرني).. وطوبى لمن كان جليسه رب العالمين !..

اللهم اجعلنا ممن أذقته حلاوة حبك وذكرك في هذا الشهر !.. لا تغلق علينا أبواب لطفك ورحمتك ، إنك على كل شيء قدير !

admin
10-02-2013, 08:56 AM
إن دعاء الافتتاح -هذا الدعاء الذي صرنا نقتات عليه ليلياً بفضل الله وكرمه- فيه مضامين متنوعة ومختلفة من حيث الطيف الذي يتناوله ، ففيه مضامين توحيدية ، وفيه مضامين توسلية ، وفيه تعظيم لله سبحانه وتعالى ، وذكر لأوليائه ، وفيه تسبيح بليغ..



- (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ ، وَلا شَبيهٌ يُشاكِلُهُ ، وَلا ظَهيرٌ يُعاضِدُهُ ، قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الاَْعِزّاءَ ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ الْعُظَماءُ ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ ما يَشاءُ..)..

وفي هذه الفقرة إشارة سياسية لحركة الأمة ولتعاملها مع الأعداء.. لو أنه المسؤولون عن هذه الأمة ، أصحاب الحل والعقد ، الذين لهم وبيدهم أخد القرارات الحاسمة والمصيرية في حياة هذه الأمة ، عاشوا حقيقة حاكمية الله عزوجل لهذا الوجود.. الرب الذي أخرج هذا الوجود من ظلمات العدم إلى نور الوجود.. الرب الذي خلق من النطفة والمضغة ، هذا الوجود الذي جعله خليفة له في الأرض.. الذي يعيش هذه الحاكمية الكبرى ، هذا القهر المطلق ، هذه الجبارية ، هذه الحكومة المستوعبة ، من الطبيعي أن لا يعيش حالة الخوف من المخلوقين.



ومن المعلوم هذه الأيام أن قوة الدول تقاس بقوة الذرة ، في هذا السباق المعروف.. وما الذرة على صغرها -ذلك الجزء الذي لا يرى- إلا صورة من صور ملكه وقدرته.. هذا الجزء الذي لا يرى بالعين المجردة -هذه الذرة- ، عندما تفلق ، تصنع الأعاجيب ، وتدمر المدن والقرى وغير ذلك.. إن الرب الذي أودع هذه الخاصية في هذه الذرة الصغيرة ، الرب الذي خلق الذرة بمكوناتها وبقدراتها وبطاقاتها المودعة فيها ، هو هذا الرب الذي نعبده ، والذي نستعين به ، والذي نطلب منه أن ينصرنا على القوم الظالمين.. فالذي يعيش هذه الحقيقة ، سوف لن يخاف من قوة في هذا الوجود..{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء}.



ولا ينبغي أن ننسى هذه الحقيقة ، وهي أن الله عزوجل غيور على عباده.. أرأيتم كيف رعاية الأم لولدها ، إن رب العالمين هو أشد رعاية من الأم لولدها لعبده المؤمن.. إن رب العالمين غيور على أمته ، وعلى عباده ، ولهذا يقول في كتابه الكريم : {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.. لو أن أحدنا اتخذ محامياً ، مدافعاً له في محكمة ، وكان ذلك المدافع أو المحامي ذات صلة بالحاكم مثلاً ، الإنسان ألا يهدأ باله ، لأن هنالك من يدافع عنه ؟.. فكيف إذا كان القدير الحكيم ، رب الأرباب ، مالك الرقاب ، تبنى الدفاع عن عباده ؟.. إن الله سبحانه وتعالى يدافع عن عباده ، ولكن دفاعه ليس أمراً جزافياً ، وإنما هو يدافع عن عباده المؤمنين.. ومن هنا يقول الله تعالى أيضاً في كتابه : {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ؛ فالأمة التى تريد التغيير ، لابد أن تغير من نفسها ، ليأتي ذلك النصر ، وما ذلك على الله بعزيز !.

admin
10-02-2013, 08:56 AM
إن الملاحظ في دعاء الافتتاح بأن هنالك حمد متكرر ، فالعبد في كل فقرة يبدأ يكرر مناجاته وحديثه مع رب العالمين ، بكلمة الحمد : (اَلْحَمْدُ للهِ) ، ثم يصف ربه بأوصاف تذكره برحمته ، وبكرمه ، وبسعة جوده.



- (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يُجيبُني حينَ اُناديهِ..)..

إننا نعتقد بكل قاطعية ، أن كل دعاء صادر من العبد ، بشرطه وشروطه ، فإنه مستجاب.. إذ رب العالمين وعد عباده ، حيث قال تعالى : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ} ، ولا خلف لوعده.. ولو أن العبد استوعب هذه الحقيقة ، بأن الله عزوجل يجيب العبد حين يناديه ، فإنه سوف لن يفتر عن الدعاء والمناجاة بين يدي ربه.



غير أن الدعاء حركة قلبية.. إن علينا أن نعلم بأن الدعاء طلب ، والطلب من صفات القلب ، لا أنه نكتفي فقط بقراءة الدعاء ، فقراءة الدعاء شيء ، والدعاء شيء آخر.. لو أن إنسان تلفظ بالماء فقط فإنه لن يعطى الماء ، لأنه لم يطلب.. بخلاف لو أنه أظهر العطش ، وخاصة لو كان شخصية لها امتيازها الخاص عند القوم ، فإن الكل سيسارع لإحضار الماء له.. فهناك تلفظ بالماء ، ولكن هنا أظهر الحاجة للماء ، وعُلم بأنه يطلب الماء ؛ ومن الواضح جداً أن طلب الماء كلفظ شيء ، وإظهار العطش شيء آخر.. فإذن، الذي يدعو ، بمعنى من يطلب ، ويعيش حياة المولى ، وقادرية المولى -الذي يرى هذه الحقيقة ، ويعيش هذه الحقيقة- ، فإن الله عزوجل سوف يستجيب دعاءه.



ومن المعلوم أن الاستجابة لها فروع ثلاث :

إما أن يستجيب رب العالمين دعاء عبده عاجلاً.. فالعبد لا يكاد ينتهي من السؤال ، إلا وبوادر الإجابة أمام عينيه.



وإما أن يستجيب له ولكن يؤجله.. لما أمر الله عزوجل نبيه موسى وهارون (ع) ليتحركا لتأييد دينه ، ولهزيمة فرعون ، نبي موسى (ع) دعا عليهم ، إذ قال : {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} ، ورب العالمين وعدهما الإجابة ، إذ قال تعالى : {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} ؛ ولكن يقال بين هذا الدعاء وبين الإجابة ، أربعون سنة.. إن رب العالمين هو العليم الحكيم ، وقد تقتضي حكمته تعالى بتأخير الاستجابة.



والشق الثالث هو الدعاء الذي لا يستجاب لا عاجلاً ولا آجلاً ، ولكن رب العالمين يعوضه بما لا يخطر بباله يوم القيامة.. وقد ورد في خبر طريف جداً ، عن الصادق (ع) : إنّ الربّ ليلي حساب المؤمن فيقول : تعرف هذا الحساب ؟.. فيقول : لا يا رب !.. فيقول : دعوتني في ليلة كذا وكذا في كذا وكذا ، فذخرتها لك ، قال : فممّا يرى من عظمة ثواب الله يقول : يا ربّ !.. ليت أنّك لم تكن عجّلت لي شيئاً وادّخرته لي.. العبد يدعو ربه ولا يستجاب له ، ولكن في يوم القيامة عندما يعوض ذلك التعويض المذهل ، فإنه يتمنى من الله عزوجل ، أن لو لم تستجب له دعوة واحدة !.. هو في الدنيا طلب من الله تعالى شفاء صداع مثلاً ، ولم يستجب له ، واستمر به الصداع يوم ، أو نصف يوم ، وإذا بيوم القيامة يعطي قصراً أبدياً.. فهذا القصر الذي ينعم فيه أبد الآبدين ، مقابل صداع نصف يوم ، أو مقابل دين أشهر أو سنة !.. يا لها من صفقة مربحة !..

إذن، الإنسان المؤمن عندما يدعو ربه ، فإنه يدعو وهو متيقن بهذه العناصر الثلاث : إما أن يعطى الحاجة معجلة ، أو مؤجلة ، أو يعوض في يوم القيامة.



- (وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَورَة وَأَنَا اَعْصيهِ..)..

إن ستارية الحق تعالى ، من النعم الكبرى.. وهذه حقيقة لا خلاف فيها ، وهي أن ظواهر العباد خير من بواطنهم.. ولكن رب العالمين نشر الثناء الجميل ، وستر القبيح ؛ فعلينا أن نشكره على هذه النعمة..

اللهم لا تهتك أستارنا ، بحق محمد وآل محمد ، إنك سميع مجيب !.

admin
10-02-2013, 08:57 AM
- (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ ، وَلا يُغْلَقُ بابُهُ ، وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ..)..

إن من الصفات الإلهية التي تثير في العبد حالة الالتجاء والانقطاع الدائم ، هو هذا الانفتاح الدائم لأبوابه.. فالملوك تغلق أبوابها ، وأهل العطاء وأهل الكرم أبوابهم ليست مفتوحة دائماً ، ولكن الرب المتعال ، الحي القيوم ، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، بابه مفتوح للسائلين..



إن هذا الباب مفتوح دائماً ، إلا أنه يفتح بشكل أوسع في أماكن وأزمنة معينة ، فإن فيها يلتفت رب العالمين إلى عبده التفاتاً مضاعفاً ؛ ومن هنا ينبغي للمؤمن أن يتعرف على ساعات استقبال الله عزوجل لأوليائه استقبالاً خاصاً..



وهي من حيث المكان : كالمسجد الحرام ، وعند الحطيم ، وعند الميزاب ، وعند المستجار ، وفي المسعى ، وفي عرفة ، وفي مشاهد أوليائه... فهذه مواطن يحب الله عزوجل أن يدعى عندها.



وأما من حيث الأزمنة : فمنها ساعة الأسحار.. ومن المتعارف أن الصائمين هذه الأيام يستيقظون لتناول طعام السحور ، وهي من العبادات أيضاً ، ولهذا فالذي يستيقظ ليتزود لنهاره أكلاً وشرباً ، من المناسب أن ينوي قصد القربة ، فقد ورد عن الرسول الأكرم (ص) ، ما يشير إلى التأكيد على السحور ، وعلى عظمة ثواب المتسحرين ، حيث قال (ص) : (إن الله وملائكته يصلون على المستغفرين ، والمتسحرين بالأسحار..)..

وفي خصوص شهر رمضان ما دام هذا التوفيق متاح لأغلب الخلق ، إذ يستيقظون للتزود المادي لنهارهم ، فلماذا لا يضيف المؤمن إلى ذلك ، التزود المعنوي أيضاً.. أليس من الخسران أنه إنسان يستيقظ لتناول طعام السحور مثلاً ، ثم يستلقي نائماً ؛ فيفوت على نفسه صلاة الفجر ، ويحرم بركات الليل ؟!.. ومن المعلوم بأن الله عزوجل قال لنبيه المصطفى (ص) : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} ، حيث أنه في خصوص صلاة الليل رب العالمين أبهم الجزاء ، إذ قال : {مقاماً محموداًْْ}.. ولكن ما هو هذا المقام المحمود ؟.. لا ندري.. حتى في القرآن الكريم لم يفصل ثواب صلاة الليل..



ومن الساعات التي تفتح فيها الأبواب أيضاً : هي ساعة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها..



وفي ساعة الزوال ، في منتصف النشاط اليومي ، حيث إلتهاء الخلق بشؤونهم : الجامعي في جامعته ، والمكتسب في متجره ، وربة المنزل في منزلها... فالإنسان يقطع نشاطه اليومي عند الزوال ، ليقف بين يدي ربه ، ليقيم الصلاة الوسطى ، المفسرة بصلاة الظهر..



وعند التقاء الصفين.. عندما يقف جيش الإسلام أمام جيش الكفر ، فهذه من ساعات الاستجابة وطلب المدد من الله عزوجل..



وأخيراً من ساعات الاستجابة : عندما يصلح المرء بين متخالفين.. فالذي أصلح بين مؤمنين : زوجة وزوجها -مثلاً- ، فإن رب العالمين في تلك الساعة ، حيث قام بهذا العمل الصالح ، ينظر إليه بعين اللطف والرحمة.. ولهذا فهي من الساعات المناسبة للاستجابة ، ويحسن له أن يستغلها.. فليسجد لله شاكراً ، وليسأله أن ينظر إليه بعطائه الذي لا نفاذ له.

اللهم أصلح أمورنا ، وأنلنا بركات هذه الليالي والأيام ، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين !.

admin
10-02-2013, 08:57 AM
أما وقد وصلنا إلى منتصف هذا الشهر الكريم ، فمن المناسب أن نقف مع أنفسنا وقفة تأملية ، لننظر هل نحن تملينا وتزودنا وتشبعنا من بركات هذا الشهر الكريم ؟.. ترى هل غفر لنا أم لم يغفر لنا ؟.. الأيام تجري بسرعة ، والليالي تنقضي ، والفرص تمر مر السحاب !.. وبعد أيام نستقبل العشرة الأخيرة من الشهر الكريم ، حيث ليالي القدر ، حيث أخذ الجائزة الكبرى من رب العالمين !.. ومن المعلوم بأن الشقي من حرم غفران رب العالمين في هذا الشهر الكريم.. وأعوذ بالله عزوجل من أن ينصرف عنا هذا الشهر ، ولم نصل إلى مرتبة الغفران ، أو الرضوان !..



أيضاً في منتصف هذا الشهر ، تطل علينا مناسبة ميلاد سبط النبي الأكبر ، الإمام المجتبى (ص) ، ذلك الإمام الذي يضرب به المثل في الحلم والتجاوز.. ويا ليت الإنسان المؤمن الذي يدّعي الانتساب إلى منهج أهل البيت وإلى مدرستهم أن يتأسى بصفاتهم !.. هل نحن نحاول أن نضفي على حياتنا صفة الحلم والتجاوز عن الآخرين ، واستيعاب الصدمات ، وعدم مؤاخذة الناس على كل صغيرة وكبيرة ؟!.. هل حاولنا أن نعمل بقوله تعالى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } ؟!.. هذه وقفات تأملية بمناسبة منتصف هذا الشهر الكريم..



- (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يُؤْمِنُ الْخائِفينَ ، وَيُنَجِّى الصّالِحينَ..)..

هذه الأيام -وليس هذا بقول مستنكر أو غريب- أغلب الناس تعيش حالة من حالات القلق والخوف من المستقبل ، والاكتئاب المزمن وغير المزمن ؛ فكل هذه العوارض النفسية ، تنغص على الناس حياتهم وهم في ذروة المتاع المادي ؛ ترى إنسان لا ينقصه شيء من متاع الدنيا ، ولكن يعيش مجموعة من هذه الأمراض النفسية ، التي قد تجر البعض إلى ما لا يحمد عقباه.. فالناس إما خوفهم من المستقبل ، أو حزنهم على الماضي الأسود الذي لا يرجع.. فأما الحزن على الماضي : هب أن الله عزوجل غفر لإنسان وقد كان له ما كان ، ولكن العمر الذي ضاع في الباطل وفي المعصية ، فإن هذا العمر لا يرجع ؛ ومن العبث ، بل من الخسران أن يضيع الإنسان ما بقي من عمره أيضاً فيما لا يفيده !.. وإما الخوف من المستقبل : أن تأخذ الإنسان حالة من القلق على المستقبل المجهول كأفراد أو كأمة ، فهذا أيضاً يفوت عليه حاضره.. ومن هنا لا يهنأ بحاضره ، من يفكر في ماضيه أو مستقبله !.. ولكن القرآن الكريم يذكر لنا فئة من الناس وينفي عنهم الخوف والحزن ، ألا وهم أولياء الله ، حيث يقول تعالى : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.. فهؤلاء جنس الخوف وجنس الحزن منفي عنهم.. جعلنا الله تعالى منهم !..



الرب هو الذي يؤمن الخائفين ، وينجي الصالحين.. ولو أعملنا الفكر قليلاً ، ونظرنا في تصرف رب العالمين مع أوليائه ، وكيف ينقذهم من حيث لا يحتسبون : ترى هل كان يدور في خلد نبي الله موسى الكليم (ع) عندما وصل إلى شاطئ النهر أو البحر ، حيث العدو من ورائه والبحر من أمامه ، هل كان يخطر بباله ، أن الله عزوجل سوف يحول قاع البحر إلى طريق سالك ، ينجو من خلاله ، ثم يعود بحراً ، ليغرق فرعون ومن معه ؟!.. والنبي المصطفى (ص) يدخل الغار ، وإذا بالعنكبوت -كما في النقل المعروف- تنسج بيتها على باب ذلك الغار.. فيا للعجب !.. أضعف المخلوقات -صاحب أوهن البيوت- ، يحفظ أشرف المخلوقات من أعين الظالمين !.. وهذا الطوفان غمر الأرض وغمر الكون ، ولكن الله عزوجل هيأ سفينة النجاة لنبيه نوح..

الذي يعرف رب العالمين بهذه الصفات ، وبهذه القدرات ، سوف يقر عينه ، ويهدأ قراره في أحلك الظروف.. الرب هو الرب ، والمعاملة هي المعاملة ، والسنة هي السنة ، ولن تجد لسنة الله تبديلا..

اللهم نجنا من القوم الظالمين ، بحق محمد وآله الطاهرين !.. والحمد لله رب العالمين.

admin
10-02-2013, 08:57 AM
- (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي مِنْ خَشْيَتِهِ تَرْعَدُ السَّماءُ وَسُكّانُها ، وَتَرْجُفُ الأَْرْضُ وَعُمّارُها ، وَتَمُوجُ الْبِحارُ وَمَنْ يَسْبَحُ في غَمَراتِها..)

إن هذه من الفقرات التي تجعل الإنسان يعيش حالة كونية ، ويسيح في عالم الوجود ؛ عندما يتذكر هذا التنوع الهائل في مخلوقات هذا العالم.. ومن هنا من المناسب للإنسان بعد مشاهدة الأفلام الطبيعية ، أن يستحضر هذه المناظر الكبرى الهائلة المذهلة ، عند مناجاته وحديثه مع الرب ؛ ليلقن نفسه بأن الذي نستجديه في قنوتنا ، وبأن الذي نسجد له في صلواتنا ، هو صاحب البحار ومن يسبح في غمراتها..



ومن المعلوم أن الرعد بظاهره ما هو إلا حركة التقاء السحب ، وتفريغ الشحنات الكهربائية ، وهذا الصوت المرعب ، وهذا البرق الخاطف ، ولكن القرآن الكريم يقول : {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ}.. نحن البشر نسمع صوت الرعد ، كحركة من حركات الوجود ، كظاهرة طبيعية ، ولكن واقع الأمر هنالك تسبيح ، ونحن لا نفقه هذا التسبيح..



وهناك بحث بين العلماء حول تسبيح الكائنات :

فمنهم من يقول : بأن التسبيح هو تسبيح تكويني.. فالموجودات بلسان حالها بما لها من نظام دقيق ، تعكس كمال الموجد جل وعلا ، ونزاهته من كل عيب ونقص.

ومنهم من يقول : بأن التسبيح هو باعتبار الملائكة الموكلة بهذه الأمور.

وهنالك رأي يقول : بأن التسبيح هو تسبيح ذاتي ، بنحو من أنحاء التسبيح.. إذ كل موجود له نوع من الإدراك والعقل والشعور ، بحسبها.. ولهذا القرآن الكريم يقول : {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}..



على كل، الإنسان في تعامله مع الوجود ، عليه أن يستذكر هذه الحقيقة الكبرى.. فالوجود يسبح ، والحيتان والدلافين وأسماك البحار كلها تسبح ، فلماذا هو لا يكون من المسبحين ؟..

الإمام الصادق (ع) رأى إنساناً يغني على دابته ، فاستنكر عليه ذلك قائلاً : أما يستحي أحدكم أن يغنّي على دابته وهي تُسبّح ؟!.. فالوجود كله يسبح ، ومن القبيح أن يخالف الإنسان هذه الحركة الكونية ، ليكون عاصياً لربه !.



- (لْحَمْدُ للهِ الَّذي هَدانا لِهذا ، وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللّهُ..)..

إن الهداية نوعان :

الأولى : هداية عامة : وهي هداية الإسلام ، وهداية الإيمان..

والثانية : هداية خاصة.. وعلي (ع) يشير إلى هذه الهداية حيث يقول : (... وما بَرِحَ لله - عَزّت آلاؤه - في البُرهة بعد البرهة ، وفي أزمان الفترات ، عبادٌ ناجاهم في فكرهم ، وكلّمهم في ذات عقولهم ، فاستصبحوا بنور يقظةٍ في الأسماع والأبصار والأفئدة ..).. وهنيئاً لمن كلمه الله عزوجل في ذات عقله !.. فإن باب الوحي منقطع ، ولكن باب الإلهام مفتوح لخاصة أوليائه.. نسأل الله عزوجل أن يخصنا بهدايته ، وأن يلهمنا سبيله ، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين !.

admin
10-02-2013, 08:57 AM
إن الصيام على أقسام : فهناك صوم العوام ، وهناك صوم الخواص ، وهنالك صوم خواص الخواص.. ففرق بين من يكف عن الطعام والشراب ، وبين من يكف عن المعاصي ، وما لا يرضي رب العالمين.. ويصل العبد في صيامه وكفه عن الغير ، إلى أن لا يرى أحداً في الوجود إلا الله عزوجل ؛ وهذا منتهى درجة الصيام ، حيث يغض الإنسان طرفه عما سواه ، كما يقول علي (ع) -وهو شهيد هذه الليالي والأيام- : (اللهم هب لنا كمال الانقطاع إليك)..



- (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَقْ ، وَيَرْزُقُ وَلا يُرْزَقُ ، وَيُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ..)..

إن علينا أن نعيش حقيقة رازقية الله عزوجل ، وأنه هو الذي يرزقنا من خلال هذا السحاب المسخر بين السماء والأرض.. فما نأكله هو من بركات الأرض ، وبركات الأرض هي من بركات السماء.. ربنا هو الذي يسوق هذه الرياح من بلد إلى بلد.. قدرته قدرة قاهرة.. وعظمته عظمة غالبة.. فإن الذي ينظر إلى رازقية الله عزوجل ، هل يمد عينه إلى المخلوقين ؟.. إن هذا الاعتقاد يجعله ينظر نظرة أخرى.. فعندما يطلب مالاً من أحد ، فإنه يطلب منه على أنه سبيل من سبل الله عزوجل.. وعندما يطلب عوناً من أحد ، لا يغفل عن ذلك المسبب للأسباب..



ومن المناسب لمن يشتكي من مشكلة : في نفسه أو ماله أو أهله ، أن يكثر من هذا الدعاء -يا له من دعاء جميل !-: (يا سبب من لا سبب له !.. ويا مسبب كل ذي سبب !.. ويا مسبب الأسباب من غير سبب !.. سبب لي سبباً لن أستطيع له طلبا !..)..



العالم عالم الأسباب ، وهو الذي إذا شاء ، جعل السبب ، ويسبب سببيته ، ويجعل العلة ، ويؤثر في عليته.. النار محرقة ، ولكن عندما يصل الأمر إلى الخليل (ع) ، فالنار ليست غير محرقة فحسب ، بل أنها تتحول إلى برد وسلاما.. طبيعة الماء طبيعة سيالة مغرقة ، ولكن عندما يصل الأمر إلى الكليم موسى (ع) ، وإذا به يمشي في أرض يبس..

إن علينا أن نستشعر هذه السببية التامة ، هذه السببية المستوعبة للوجود..



- (وَيُميتُ الأَْحياءَ ، وَيُحْيِي الْمَوْتى ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ..)..

إن الإنسان الذي يعيش دائماً هاجس الإماتة ، وأنه مهما صعدنا أو نزلنا ، أو ملكنا أو حكمنا ؛ فإن العاقبة هي الرجوع إلى رب الأرباب : إنا لله وإنا إليه راجعون.. الذي يعيش هاجس الموت بالمعنى الصحيح ، لا بالمعنى المرضي أو الوسواس القهري -كما يقولون- ؛ فيتذكر الموت على أنه نقلة ولقاء بالحبيب الأعلى - الذي يعتقد بهذا الاعتقاد- ، سوف يضاعف جهوده ، لأن يحول اللقاء القهري إلى لقاء اختياري ، يكون في ذلك اللقاء تمام المحبة والأنس ؛ إذ الغائب عن حبيبه يشتاق إلى لقاء حبيبه.. ومن هنا فإن الله عزوجل يمنّ على أنبيائه السلف (ص) ، أنه اختصهم بتذكر القيامة : {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}..

اللهم إنا نسألك التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل حلول الفوت ، بجاه محمد وآله الطاهرين !.

admin
10-02-2013, 08:57 AM
- (اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَأَمينِكَ ، وَصَفِيِّكَ ، وَحَبيبِكَ ، وَخِيَرَتِكَ مَنْ خَلْقِكَ ، وَحافِظِ سِرِّكَ ، وَمُبَلِّغِ رِسالاتِكَ ، أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ ، وَأَجْمَلَ وَأَكْمَلَ ، وَأَزْكى وَأَنْمى ، وَأَطْيَبَ وَأَطْهَرَ ، وَأَسْنى وَأَكْثَرَ ، ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ ، وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ ، عَلى أَحَد مِن عِبادِكَ وَأنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَصِفْوَتِكَ ، وَأَهْلِ الْكَرامَةِ عَلَيْكَ مِن خَلْقِكَ..)..

بعد أن أنهينا حمد الله عزوجل بأنواع الحمد ، الآن في هذه الفقرة المباركة وصل الدور إلى الصلاة على نبيه وعلى أوليائه ، فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.. حمدنا ربنا على نعمه وعلى آلائه ، الآن رب العالمين أمرنا أن نصلي على الذين كانوا سبباً لإيصال الهداية إلى قلوب أوليائه..



النبي الأكرم (ص) كم قاسى في دعوة الناس إلى الله عزوجل !.. عبد الله عزوجل حق عبادته ، حيث اختلى في ذلك الغار إلى الأربعين من عمره ، وهو يتوجه بكل وجوده إلى الله عزوجل.. ثم نزل إلى ساحة الحياة ، حيث عتاة الجاهلية ، وقد تحمل منهم ما تحمل ، أخرجوه من بلدته من مكة ، ثم واجه الكفار والمنافقين في المدينة.. حياة مليئة بكل صور المعاناة ، إلى درجة قال عبارته المبكية : (ما أوذي نبي كما أوذيت).. رغم أنه من الذين أوذوا في حياة الأنبياء : أيوب المبتلى ، ويحى الذي قطع رأسه ، وأهدى إلى بغية من بغايا نبي إسرائيل.. الأنبياء عاشوا ما عاشوا من صور الظلم والأذى ، ولكن حبيبنا المصطفى كان خاتماً في كل شيء ، ومنه الأذى الذي عاناه في حياته المباركة.. أو لا يستحق الحبيب المصطفى (ص) ، أن نصلي عليه صباحاً ومساء ، كما يحب الله ويرضى ؛ لأنه تعالى هو أول المصلين على حبيبه..



والملاحظ أن أول صفة نصفها للرسول (ص) ، هي صفة العبودية.. فقبل أن نصفه بأوصاف الحب ، والاصطفاء ، والأمانة ، وأنه خيرة الله من خلقه ، نقول : (عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ) ، وهذا الذي نكرره في تشهد صلواتنا في كل يوم.. النبي (ص) ما صار نبياً ، إلا لأن الله عزوجل رآه أطوع الخلق بين يديه..



وفي قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} : نفهم أن صفة العبودية هي ثمرة الوجود ؛ ولو لم نحقق هذه الثمرة في حياتنا ، فوجودنا يصبح وجوداً لغوا باطلاً ؛ لأن الشجرة التي لا تثمر ، تقتلع وترمى جانباً..



إن العبودية حالة وجدانية.. فالأم عندما تضع ولدها ، تعيش حالة الأمومة.. والموظف عندما يتوظف في دائرته ، يعيش مشاعر الوظيفة ، ويرى نفسه موظفاًَ.. فهل نحن عشنا هذه المشاعر في حياتنا ولو ساعة ، ولو دقيقة ، أننا عباد لله عزوجل ؟..



والإنسان الذي يعيش حقيقة العبودية ، فإنه سوف لن ينقدح في نفسه ميل إلى الحرام ، إذ العبد ينسق حركته وسكنته ، وقيامه وقعوده ، على وفق ما يطلب منه المولى.. الذي يعيش حقيقة العبودية ، فإنه يتحول إلى ذلك الإنسان الذي يصفه القرآن الكريم : {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}.. فالإيمان إذا أصبح مزيناً في الصدر والقلب ، فإن هذا الإنسان لا يجد كلفة عندما يريد أن يقوم بالطاعة.. والذي يكره إليه الكفر والفسوق والعصيان ، فإنه لا يجد ثقلاً عندما يريد أن يكف عن الحرام.. فهنيئاً لمن اتخذه الله عبداً !..

اللهم اجعلنا لك من العابدين ، بحق سيد العابدين حبيبك المصطفى (ص) !.. والحمد لله رب العالمين.

admin
10-02-2013, 08:57 AM
- (اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَاَمينِكَ ، وَصَفِيِّكَ ، وَحَبيبِكَ ، وَخِيَرَتِكَ مَنْ خَلْقِكَ ، وَحافِظِ سِرِّكَ ، وَمُبَلِّغِ رِسالاتِكَ ، أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ ، وَأَجْمَلَ وَأَكْمَلَ ، وَأَزْكى وَأَنْمى ، وَأَطْيَبَ وَأَطْهَرَ ، وَأَسْنى وَأَكْثَرَ ، ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ ، وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ ، عَلى أَحَد مِن عِبادِكَ وَأنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَصِفْوَتِكَ ، وَأَهْلِ الْكَرامَةِ عَلَيْكَ مِن خَلْقِكَ..)..

في هذه الفقرة من دعاء الافتتاح نصلي على النبي وعلى آل النبي ، فما هي حقيقة الصلوات : (اللهم صلّ على محمد وآل محمد) ؟.. إن الصلوات دعاء ، بل هي من أكثر الأدعية ، ومن أكثر الأوراد والأذكار ، تفشياً في حياة الموالين.. وهذه من نعم الله عزوجل علينا ، أن نسمع ذكر حبيبه المصطفى في الأذان وفي الإقامة ، ونذكره مصلين عليه في الركوع وفي السجود ، وفي التشهد وفي التسليم ، فذكره (صلوات الله وسلامه عليه) مقترن بذكر الله عزوجل حتى في شعار الإسلام ، فمن المعلوم أن الذي يريد أن ينتقل من الكفر إلى الإسلام ، ليحقن بذلك دمه وماله وعرضه ، لابد وأن يتشهد بشهادة النبوة بالإضافة إلى شهادة التوحيد..



فإذن، الصلاة دعاء ، ولهذا فالإنسان عندما يقول : (اللهم) ، فإن عليه أن يستحضر حالة الدعاء.. ومع الأسف، تحولت الصلوات في حياتنا من حالة شعورية إلى حركة شعارية !.. نحن نصلي على النبي ، ونكثر ، ولكن من الممكن أن لا تصل هذه الصلوات ولو مرة واحدة إلى حبيبه المصطفى (ص) !.. صلوات صادرة ، ولكنها غير واصلة !.. الصلوات التي تدخل السرور ، وتثلج قلب الحبيب المصطفى ، هي الصلوات التي بلغته ، هي الصلوات التي أصبحت سبباً في ارتفاع درجته.. فإذن، عندما نقول : (اللهم) ، علينا أن نعيش حالة من حالات الدعاء بين يدي الله عزوجل ، ثم نقول : يا رب، صلّ على محمد وآل محمد !.. أي بارك فيه..



ولكن رب العالمين كيف يبارك ، وبم يبارك ؟.. هذا الأمر إليه ، هو يعلم كيف يبارك.. قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}..{يُصَلُّونَ} فعل مضارع ، أي يدل على الاستمرارية والدوام.. ففي كل حال وآن من الآنات ، رب العالمين يبارك على الحبيب المصطفى (ص) ، لا في حياته فحسب ، وإنما بعد مماته.. فمن ينطق بكلمة لا إله إلا الله ، ومن يصلي لربه ، ومن يطوف حول بيته... ، كل ذلك في ديوان الحبيب المصطفى.. وهنيئاً لنبينا !.. حيث يأتي يوم القيامة وأعمال الخلق إلى قيام الساعة ، مدونة في صحيفة أعماله..



وينبغي عندما نصلي على النبي (ص) أن لا ننسى (آله) !.. فقد نهى النبي (ص) عن هذه الصلاة البتراء ، حيث قال (ص) : (لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟.. قال : تقولون : اللهم صلّ على محمد وتمسكون ، بل قولوا : اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد).. فمن لم يصل على النبي وآله ، فإن هذا الإنسان لا صلاة له.. ومن صور شكر جميل الآل ، الذين كانوا هم الامتداد للحبيب المصطفى (ص) ، أن نقرن ذكرهم إلى ذكر النبي (ص)..

اللهم اجعلنا من السائرين على دربهم ، والمستنين بسنتهم ، إنك على كل شيء قدير!.

admin
10-02-2013, 08:58 AM
- (اَللّـهُمَّ وَصَلِّ عَلى عَليٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ ، عَبْدِكَ وَوَليِّكَ ، وَأَخي رَسُولِكَ ، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ ، وَآيَتِكَ الْكُبْرى ، وَالنَّبأِ الْعَظيمِ..)..

في هذه الفقرة من دعاء الافتتاح بعد أن صلينا على النبي وآله ، ننتقل بالحديث عن الأوصياء من بعده ، هذه الأنوار اللامعة ، الحجج الإثني عشر ، الذين بشر بهم النبي (ص) ، الخلفاء من عترته وذريته.. وليس من الصدفة أبداً ، أن يأتي في خلال قرنين ونصف هذه الأنوار اللامعة ، التي تؤيد بعضها بعضاً ، إذ كلماتهم متشابهة ، وموقفهم واحد ، والنور الذي يشع منهم نور واحد.. بمثابة مصباح ذري ، يزهر بنور الله عزوجل ، ويُنظر إلى هذا المصباح من نوافذ متعددة ، فالنور واحد ، والنوافذ متعددة..



النافذة الثانية التي من خلالها ننظر إلى نور الله عزوجل ، هي النافذة العلوية.. وهنا نسلم ونصلي على أمير المؤمنين ، ذلك الإمام الذي وقف حياته منذ أن كان صبياً في مكة ، يتّبع النبي الأكرم (ص) إتّباع الفصيل أثر أمه -كما يصف (ع) نفسه بهذا الوصف- ، إلى يوم قدم نفسه في طاعة رب العالمين.. بدأ من البيت -من المسجد الحرام- ولادة ، وختم حياته شهادة في مسجد الكوفة..



علي (ع) هو امتداد الرسالة ، هو امتداد النبي (ص).. ومسألة الوصاية ليست من بدع القول.. الإنسان في حياته اليومية ، يغيب عن أهل بيته في سفرة قصيرة ، فيعين خليفة على أهله ، ليحفظ أهله في غيبته.. وفي حياة الأنبياء السلف : موسى (ع) يذهب لميقات ربه أربعين ليلة ، لا يتحمل أن يترك أمته من دون وصي ، فيقول لأخيه هارون : {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}..



موسى يغيب عن الأمة غيابًا مؤقتاً ، في إجازة لتلقي الألواح ، وإذا به يعين الوصي من بعده.. كيف النبي الأكرم (ص) يغيب عن هذه الأمة إلى أبد الآبدين ، وبذور الفتنة كامنة فيها.. وفي قوله تعالى : {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} ، إشارة إلى هنالك منافقين لم يكونوا من المنافقين في العلن.. أمة فيها منافقون ، وعليها أنظار اليهود والنصارى ، كيف النبي الأكرم (ص) يغيب عن هذه الأمة ، ولا يعين من يمثله ، من هو على خطه ، من هو على تربيته ؟!!..



والتاريخ يفصح عن الحقيقة لمن يريدها !.. الأحاديث التي تشير إلى فضائل علي (ع) ومنزلته عند النبي الأكرم (ص) ، هي في كتب الفريقين : أقضاهم علي.. أعلمهم علي.. أشجعهم علي.. أولهم إسلامًا علي.. علي صهر النبي.. علي نفس النبي.. علي باب مدينة علم النبي.. علي هو الذي جهز المصطفى (ص) ، وكان في اللحظات الأخيرة بجانبه.. علي هو الذي على سيفه قام الإسلام ، كما قام علي مال خديجة ، ووجاهة أبي طالب.. لماذا نستبدل علياً بغيره ، وهو صاحب هذه السابقة ، وهو الذي -كما نعلم- في هذا الشهر الكريم ، ختم حياته بدمه الطاهر ، في سبيل إحياء حاكمية الله عزوجل في هذا الوجود ؟!!..



صلى الله عليك يا أمير المؤمنين !.. يوم ولدت في الكعبة ، ويوم قتلت في مسجد الكوفة وأنت تنادي : (فزت ورب الكعبة) ، ويوم تحشر يوم القيامة بجوار الحبيب المصطفى ، رافعًا راية الحمد ، تسوق المؤمنين إلى حوض الكوثر.

اللهم اجعلنا من المستنين بسنته ، والسائرين على دربه ، إنك سميع مجيب !.

admin
10-02-2013, 08:58 AM
نستقبل في هذه الليالي ليالي القدر المباركة ، هذه الليالي التي هي من أهم لحظات السنة ، حيث أنها خير من ألف شهر.. كلنا مقصرون في طاعة الله عزوجل ، ومن هنا رأفة بنا ؛ فإن رب العالمين في ليلة واحدة جعل خاصية ألف شهر - أي أكثر من ثمانين سنة- ؛ في ليلة واحدة الإنسان يعطى خاصية سنوات طويلة..



- (وَصَلِّ عَلَى الصِّدّيقَةِ الطّاهِرَةِ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ..)..

ووصلنا في حديثنا عن دعاء الافتتاح ، إلى الصلاة على المعصومين واحداً واحداً.. ومن المناسبة التي تجعل الإنسان يتفأل بذلك خيراً ، بأن ذكر فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) في من نسلم عليهم ، أصبح مقارنًا لليالي القدر المباركة.. ومن المعلوم أن ليلة القدر من مصاديق الكوثر ، والزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) من مصاديق الكوثر أيضًا..

هذه المرأة الجليلة التي يكفي في حقها أن النبي الأكرم (ص) -وهو الذي لا ينطق عن الهوى- ، يقول عنها : (فداها أبوها) ، و(فاطمة أم أبيها).. فإن هذه التعابير من النبي المصطفى (ص) لم تنطلق من منطلق الأبوة المحضة ، بل هذه التعابير من موقع الرسالية.. النبي (ص) عندما يقول : (فداها أبوها) ، فهو يعني ما يقول.. ولو لم تكن فاطمة بهذا المستوى ، لما عبر النبي (ص) عنها بهذه التعابير ، التي لم نجد لها نظيراً في كلام النبي (ص) ، بالنسبة إلى أي بشر ذكرًا كان أم أنثى.. فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) بعبارة واحدة مركزة ، هي أمة الله.. فالنبي (ص) شرفه وكرامته وامتيازه ، أنه عبد الله ، كما نقول في التشهد : أشهد أن محمد عبده ورسوله ، وكذلك الزهراء (ص) شرفها وكرامتها ، أنها أمة الله عزوجل..



فاطمة لها أبعاد ثلاثة : من حيث النفس ، ومن حيث العمل ، ومن حيث الحديث والمنطق ؛ وهي كانت متميزة على الأبعاد الثلاثة..



فأما منطقها فيتجلى من خلال خطبتها الفدكية ، عندما وقفت أمام المسلمين لتفلسف لهم الدين ، وتبين أحكام الرسالة ، مع خلفياتها التي خفيت عن باقي المسلمين ، يوم وقفت للدفاع عن إمام زمانها ، وعن ولي أمرها ، علي (ص)..



وأما من حيث العمل : فقد عبدت رب العالمين حتى تورمت قدماها ، حيث كانت تقف في محراب العبادة ، وتسيح في عالمها الذي لا نحيط بذلك كنهاً..



وأما من حيث النفس : يكفي هذا القول لرسول الله (ص) : (رضا الله من رضا فاطمة ، وغضبه من غضبها).. إن رب العالمين يرضى لرضا فاطمة ، ويغضب لغضب فاطمة ؛ ومن هنا استدل العلماء على عصمتها بالإضافة إلى آية التطهير..

جعلنا الله تعالى وإياكم من السائرين على دربها ، ودرب بعلها وأبيها وبنيها ، بحق محمد وآل محمد !.. والحمد لله رب العالمين.

admin
10-02-2013, 08:58 AM
- (وَصَلِّ عَلى سِبْطَيِ الرَّحْمَةِ وَاِمامَيِ الْهُدى، الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الْجَّنَةِ، وَصَلِّ عَلى اَئِمَّةِ الْمُسْلِمينَ، عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد، وَمُوسَى بْنِ جَعْفَر، وَعَلِيِّ بْنِ مُوسى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ، وَالْخَلَفِ الْهادي الْمَهْدِيِّ، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ، وَاُمَنائِكَ في بِلادِكَ صَلَاةً كَثيرَةً دائِمَةً..)..

في دعاء الافتتاح -هذا الدعاء الشريف الذي يعتبر بحق من المحطات التأملية الجميلة- في شهر رمضان يسلم الصائم بعد صيامه على أئمة الهدى (ع) ، هؤلاء الذي بشر بهم النبي (ص) في قوله : (اثني عشر خليفة كلهم من قريش).. ومن المعلوم أن التأريخ الإسلامي لم يقدم لنا لائحة في أسماء اثني عشر خليفة ، يمثلون خلافة الله عزوجل في الأرض وخلافة النبي الأكرم (ص) ، سوى مدرسة أهل البيت (ع) ؛ وهو تأريخ مدون ومنقح.. في خلال قرنين ونصف من الزمن ، هؤلاء يمثلون امتداد النبي (ص) ، مصداق للعترة ، والثقل الآخر بعد القرآن الكريم.. والإنسان حقيقة يمتلكه العجب ، أنه هذا التأريخ الواضح ، وهذه بشارة المصطفى (ص) حيث عبر عن خلفائه بالاثني عشر - وسيرتهم مدونة في الكتب- ، ورغم خصومهم وأعدائهم والحكومات التي توالت على قتالهم ، فإن التأريخ الإسلامي والرواة وحتى خلفاء الجور ، لم يذكروا لهم زلة..



ينبغي علينا بالإضافة إلى حبهم ، والتقرب إلى الله عزوجل بهم ، والسلام عليهم ، وزيارة مشاهدهم ؛ مراجعة سيرهم ، لا مراجعة للبحث عن الفضائل فحسب ، بل للتأسي والسير على منهجهم (ع).. فإن مشكلتنا مشكلة من يكتفي بلوحة زيتية جميلة عن الطبيعة -مثلاً- صباحاً ومساءً ، وهو ينظر إلى هذه اللوحة يتأمل جمالها ، ويمدح ذلك الجمال ، ويتغنى بما فيها من عناصر جمالية ، ولكن من دون أن يصل إلى واقع.. إن أئمة أهل البيت (ع) هم الأسوة والقدوة ، وجاؤوا ليكونوا هم الدعاة إلى الله عزوجل ، وفي الزيارة الجامعة الكبيرة وباقي زياراتهم (ص) ، نرى التأكيد على أن هؤلاء إنما تقدموا الخلق ، ليعلمونا طاعة رب العالمين ، فذكر الله عزوجل هو العمود الفقري لهذه السيرة العطرة..



لو نظرنا إلى حياة الحسين (ص) الذي نسلم عليه في دعاء الافتتاح.. هو من كان في يوم عرفة يقف أمام رب العالمين ، يناجي ربه بفنون الدعوات : إلهي عميت عين لا تراك !.. ألغيرك من الظهور ما ليس لك !..متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك !.. وإذا بهذا الإمام نفسه ، في يوم عاشوراء ، يناجي ربه بنفس اللحن في مقتله ، وهو يقول : إلهي رضاً بقضائك ، وتسليمًا لأمرك ، لا معبود سواك ، يا غياث المستغيثين !.. هذه سيرتهم ، وهذه سنتهم.. ونحن ما أحببناهم لأنهم أولاد رسول الله فحسب ، وإلا فإن في ذرية النبي (ص) إلى يومنا هذا من تنكبوا طريق الهدى ، وإنما أحببناهم لحبنا لله عزوجل ، أحببناهم لأن الله عزوجل تجلى في حياتهم ، وفي سيرتهم..



فإذن، الذي يريد أن يكون على خط أئمة الهدى (ع) ، فإن عليه أن ينظر إلى مواقع التأسي في حياة هؤلاء القادة :

إمامنا زين العابدين ، هو زين العابدين ، وقرة عين الساجدين ، وتاج البكائين.. فالذي يحب علي بن الحسين (ع) ، فإن عليه أن يتشبه بسيرته في هذه النقاط ، قدر الإمكان ، فإن هؤلاء بلغوا ما بلغوا ، ونحن لا نقدر على ذلك ، ولكن التشبه بهم قدر الإمكان.. وإمامنا الباقر والصادق ، هؤلاء حملوا علم جدهم المصطفى ، وبقروا العلم بقراً ، وكشفوا كنوز آل محمد.. فنتأسى بهم ، في أن نكون من الذين يسعون لفهم معالم الشريعة.. والإمام الكاظم (ع) كان يكظم الغيظ أمام أعدائه.. وأين نحن من هذه الصفة ؟!.. وإمامنا الرضا (ع) رضي بقضاء الله وقدره.. ونحن ساخطون على قضاء الله وقدره ، في مقام العمل ، لا في مقام الاعتقاد.. وإمامنا الهادي كان هادياً إلى طاعة ربه.. وإمامنا الجواد (ع) كان مظهراً للجود والفضل في الأمة.. وهكذا.. لنأخذ من كل إمام صفته ، التي سمي بها ، وإن كانت هذه الصفات على نحو المثال ، وإلا كلهم جامعون لصفات الجميع.

وفقنا الله تعالى وإياكم ، لأن نكون من المستنين بسنتهم ، والسائرين على دربهم ، إنه حميد مجيد !.

admin
10-02-2013, 08:58 AM
- (وَصَلِّ عَلى سِبْطَيِ الرَّحْمَةِ وَاِمامَيِ الْهُدى، الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الْجَّنَةِ، وَصَلِّ عَلى اَئِمَّةِ الْمُسْلِمينَ، عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد، وَمُوسَى بْنِ جَعْفَر، وَعَلِيِّ بْنِ مُوسى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ، وَالْخَلَفِ الْهادي الْمَهْدِيِّ، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ، وَاُمَنائِكَ في بِلادِكَ صَلَاةً كَثيرَةً دائِمَةً..)..

في وسط دعاء الافتتاح هنالك محطة ولائية جميلة ، وهي أن نسلم ونصلي على أئمة أهل البيت (ع) ، بعد الصلاة على النبي الحبيب المصطفى (ص).. أحب في هذه اللحظات المباركة من ليالي شهر رمضان المبارك أن أؤكد على حقيقة ، وهذه الحقيقة لابد أن نتذكرها دائمًا وأبداً :

أن أئمة أهل البيت (ع) شرفهم وفخرهم وشعارهم ، هو إتباع سنة النبي (ص).. هؤلاء ما جاؤوا ليقدموا لنا مدرسة مستقلة ، عن مدرسة الحبيب المصطفى (ص).. فهذا علي (ع) -وهو التلميذ الأول للنبي (ص)- يصف نفسه بأنه عبد من عبيد محمد ، إذ يقول : (إنما أنا عبد من عبيد محمد).. وقوله هذا لا بمعنى عبادة الطاعة والإلوهية ، وإنما بمعنى الانصياع لأوامر النبي الأكرم (ص).. والنبي (ص) يؤكد ذلك في قوله : (أنا أديب ربي وعلى أديبي).. أي أدبني ربي ، وعلي أنا الذي أدبته..



إن أئمتنا (ع) يدعون أتباعهم للتمسك بعروة الإسلام الوثقى.. ومن هنا إمامنا الباقر (ع) في حديث عتابي جميل يقول :

يا جابر !.. أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟!.. فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع و الأمانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم ، والصلاة ، والبرّ بالوالدين ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة ، والغارمين ، والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكفّ الألسن عن الناس ، إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء .

قال جابر : فقلت : يا بن رسول الله!.. ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة..

فقال (ع) : يا جابر!.. لا تذهبنّ بك المذاهب ، حَسْب الرجل أن يقول : أحب علياً وأتولاه ، ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً ؟.. فلو قال : إني أحب رسول الله (ص) - فرسول الله (ص) خير من علي (ع) - ثم لا يتبع سيرته ، ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً ، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته.. يا جابر!.. فوالله ما يُتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليُّ ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع.



ولنا هذه الوقفات مع هذا الحديث الجميل :

أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟!..

أولاً : التشيع.. إن مشايعتهم (ع) فخر عظيم.. ومن هنا فإن الله عزوجل يصف إبراهيم (ع) بأنه كان من شيعة الأنبياء الذين سبقوه ، إذ يقول تعالى : {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}.. النبي إبراهيم مشى على درب الأنبياء السلف ، فهو من شيعتهم.. ونحن أيضاُ مشينا على درب النبي المصطفى وآله ، فنحن أيضاً من شيعتهم.. ولكن من هو الذي ينطبق عليه هذا المعنى ؟.. المشايع هو ذلك الذي يضع قدمه ، موضع قدم من شايعه.. الإنسان عندما يتبع جنازة ، ويدّعي أنه شيع جنازة ، لابد أن يمشي خلفها ؛ وإلا إذا كانت الجنازة تسير في جهة ، وهو في جهة أخرى ، سوف لن يكون صادقاً في قوله.. إذن، الذي يدّعي بأنه يشايع عليًا وآل علي ، لابد أن يترقى عن مرحلة المحبة والادّعاء ، إلى مرحلة الإتباع.



فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه...

إمامنا الباقر (ع) -ذلك الإمام الذي بقر علم جده المصطفى ، وكان صاحب تلك المدرسة الكبرى في المدينة- في قسم بالله عزوجل ، يرجع الأمور كلها إلى طاعة الله عزوجل ، وإلى تقوى الله عزوجل.



وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع و الأمانة ، وكثرة ذكر الله...

لنلتفت إلى هذه الكلمة : (وكثرة ذكر الله ) !.. أن يذكر الإنسان الله عزوجل في شهر رمضان ، لا يكفي.. أن يذكر الله في ليالي القدر ، لا يكفي.. لابد أن يكون هنالك الذكر المستوعب.. من أكل وشرب شهراً في السنة ، هل يبقى حياً ؟.. لا شك أنه لا يكتفي بقوته في شهر أو شهرين.. إن ذكر الله تعالى هو قوت الأرواح ، ومن لا يذكر الله عزوجل في مواطن متفرقة من حياته ، فهذا الإنسان ستذبل روحه ، وما بعد الذبول إلا الموت والهلاك.



حَسْب الرجل أن يقول : أحب علياً وأتولاه ، ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً ؟.. ثم يقول : من كان لله مطيعاً فهو لنا وليُّ ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع.

الذي يجعلون مقياس الولاية الحب ، أو الزيارة ، أو إنشاد الشعر ، أو إقامة المجالس والمراسم ، هنا إمامنا الباقر (ع) يعطينا مقياسًا أدق وأوسع : (من كان لله مطيعاً فهو لنا وليُّ ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع).. وإن عاش ما عاش في مشاهدهم المشرفة ، وإن ألف الدواوين في مدحهم ، وهو ليس على منهجهم ، فإنه لن يحقق مصداق المشايعة..



أسأل الله عزوجل ببركة هذه الليالي المباركة ، وببركة ليالي القدر ، أن نبعث بعثاً جديداً ، أن نلد ولادة جديدة !.. حسبنا ما كنا عليه في الأشهر الماضية ، من الانشغال بالشهوات والغفلات !.. اللهم أيقظنا من نومة الغافلين !.. اللهم خذ بأيدينا إليك !.. اللهم لا تجعل للشيطان علينا سبيلا !.. نعوذ بك من همزه ، ولمزه ، وكيده ، ووسوسته !..

ومن هنا من الراجح أن يسأل الإنسان ربه ، أن يبقي له هذه المكاسب ، فإن إبقاء المكاسب أصعب من المكسب نفسه.. فليسأل ربه أن يبقي له هذه المكاسب إلى يوم لقائه.. فإن للصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره ، وفرحة عند لقاء ربه.

اللهم أجعلنا ممن يلقاك يوم القيامة ، فرحين مستبشرين !.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

admin
10-02-2013, 08:58 AM
- (اَللّـهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِىِّ اَمْرِكَ الْقائِمِ الْمُؤَمَّلِ ، وَالْعَدْلِ الْمُنْتَظَرِ..)..

وصلنا في دعاء الافتتاح إلى الفقرات التي ترتبط بإمامنا المنتظَر (ص).. قلنا الإمام المنتظَر ، والحال أنه أيضاً من المناسب أن نعبر عنه بالإمام المنتظِر.. هو منتظرَنا وأيضاً منتظرِنا (ص).. لو أراد أن يخرج هذا الإمام المنصور ، المؤيد بملائكة النصر ، لو أراد أن يعتمد على عالم الغيب والأسباب غير الطبيعية ، لظهر منذ أن استشهد أبوه العسكري (ص) ، ولكن حركته هي مزيج بين عالم الغيب وعالم الشهود.. هو مؤيد بالرعب ، ومؤيد بملائكة النصر ، والرعب يسير أمامه -أي الخوف في النفوس- مسيرة شهر أو أكثر من ذلك ، وهذا الذي ذكره القرآن الكريم ، حيث قذف رب العالمين الرعب في قلوب الأعداء : {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}.. ولكن الإمام (ع) بالإضافة إلى الاعتماد على عناصر الغيب ، كذلك له عناصر من عالم الشهود ، فهو يحتاج إلى من ينصره.. في معركة بدر هنالك ملائكة النصر ، وهنالك أيضاً الذين قاتلوا مع النبي المصطفى (ص) ، حتى أصبح لقب البدري لقباً يقاس به الأجر والثواب..



الإمام المنتظَر (ص) يحتاج إلى من يعينه.. فإن وجود الإنسان المؤمن متلبساً بطاعة الله عزوجل ، وترويجه للشريعة أينما كان ، واستقامته في الحياة ؛ من موجبات تعجيل فرجه (ص) ، والإمام (ص) يشير إلى ذلك في هذا التوقيع الشريف : (ولو أن أشياعنا -وفقهم الله لطاعته- على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم ، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا).. إذ الملاحظ أن الإمام (ص) يجعل الاجتماع على طاعة الله عزوجل ، سبباً للقائنا به.. وهو لا يريد بذلك اللقاء الخاص ، وإنما اللقاء العام ، أي زمان الظهور.. صحيح، هنالك أجل مكتوب ، هنالك وقت مؤقت ولا يعلمه أحد -كذب الوقاتون- ، ولكن علم الله عزوجل بذلك الوقت ، وكتابته لتوقيت الظهور ، أيضاً هذا مرتبط بعملنا وبسعينا ، ولو اجتمعنا على طاعة الله عزوجل ، ونصرنا دينه بأفعالنا وأقوالنا ؛ لما تأخر عنا النصر..



- (اَللّـهُمَّ اَظْهِرْ بِهِ دينَكَ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ..)..

إمامنا المهدي (ع) لا يدعو الناس إلى نفسه ، وإنما يدعو إلى سنة جده المصطفى (ص).. وهنا تأكيد آخر أيضاً ، أن مدرسة أهل البيت (ع) هي مدرسة النبي المصطفى (ص) ، ولا اثنينية في ذلك أبداً.. هم عدل القرآن ، وما كان عدلاً للقرآن ، كان مسانخاً له.

وفقنا الله تعالى وإياكم ، لأن نكون من المتمسكين بالثقلين : كتاب الله ، وعترة حبيبه المصطفى ، إنه سميع مجيب !. والحمد لله رب العالمين.

admin
10-02-2013, 08:58 AM
أسال الله عزوجل أن يكتب لنا في ليالي القدر ، أو كتب لنا في ليالي القدر السعادة الأبدية.. هنالك عبارة جميلة من المناسب أن يرددها الإنسان المؤمن في هذه الليالي الأخيرة من شهر رمضان المبارك.. فليقل بلسان الحال والمقال ، وإن أمكن بدموع جارية ، وإن أمكن بقلوب منكسرة : (اللهم إن كنت أثبت اسمي في ديوان السعداء ، فلك الحمد ولك الشكر !.. وإن كنت أثبت اسمي في ديوان الأشقياء ، فامحُ شقائي ، وأثبتني في ديوان السعداء ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب !)..



وصلنا في فقرات جميلة من دعاء الافتتاح ، حيث ذكرنا أئمة أهل البيت (ع).. وأعتقد أن ترسيخ حبهم وذكرهم ، أمر لزام على كل مسلم ، هؤلاء ما كانوا من أئمة فرقة من الفرق ، ومن هنا قلنا : (اللهم صل على أئمة المسلمين) ، هؤلاء حملوا لواء المسلمين ، وإمامنا الصادق (ع) كان صاحب مدرسة كبرى ، ومن المعلوم أن آلاف فقهاء المدينة تُلمذوا على يده (ص) ، ومنهم أبو حنيفة صاحب المذهب ، هؤلاء هم أئمة المسلمين.. وعليه، فمن اللازم علينا ذكرهم ، والدعوة إليهم ، وتعلم محاسن كلامهم ؛ فإن الناس لو عرفوا وعلموا محاسن كلامهم ، لاتبعوهم ، كما قالوا هم (ص)..



- (اَللّـهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِىِّ اَمْرِكَ الْقائِمِ الْمُؤَمَّلِ ، وَالْعَدْلِ الْمُنْتَظَر ِ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ ، وَاَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يا رَبَّ الْعالَمينَ ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْهُ الدّاعِيَ اِلى كِتابِكَ ، وَالْقائِمَ بِدينِكَ ، اِسْتَخْلِفْهُ في الاَْرْضِ كَما اسْتَخْلَفْتَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِ ، مَكِّنْ لَهُ دينَهُ الَّذي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ ، أَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ اَمْناً ، يَعْبُدُكَ لا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً ، اَللّـهُمَّ اَعِزَّهُ وَاَعْزِزْ بِهِ ، وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزيزاً ، وَاْفتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسيراً ، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصيراً ، اَللّـهُمَّ اَظْهِرْ بِهِ دينَكَ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ ، حَتّى لا يَسْتَخْفِيَ بِشَىْء مِنَ الْحَقِّ ، مَخافَةَ أَحَد مِنَ الْخَلْقِ..)..



وصلنا إلى ذكر إمامنا المهدي (ص).. في ختام ذكر أئمة البيت (ع) ، يسلم الإنسان على القائم المؤمل والعدل المنتظر ، ذلك الإمام الذي سيحي آمال الأنبياء.. الأرض منذ أن شهدت ولادة آدم إلى يومنا هذا ، ما شهدنا العدل المطبق.. النبي الأكرم (ص) فتح مكة والمدينة ، وبعض البلاد حوله ، ولم يصل إلى كل الأرض.. علي (ع) أيضاً كان إمام المسلمين ، وبقاع شاسعة من البلاد الموجودة في زمانه بيد الكفر ، واليهود والنصارى والمشركين.. لم نعهد حكومة إسلامية إلهية مستوعبة لكل بقاع الأرض ، والحال بأن القرآن الكريم وعد بهذه الدولة الجامعة ، وبهذه الأمة الحاكمة ، الأمة التي ستحكم الأرض جميعاً : {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} ، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.. من الذي سيطبق هذا الشعار ؟.. من الذي سيحي هذا الأمل في النفوس ؟.. هو ذلك الإمام المهدي بهداية الله عزوجل..



والآن إمامنا (ص) شأنه شأن الشمس وراء السحاب.. هب أننا لا نرى الشمس وراء السحاب ، ولكن النهار نهار ، بفضل تلك الشمس المحتجبة.. ونحن في زمان الغيبة ، أيضاً ننتفع بهذا الوجود ، هذا الوجود الذي يبعث الأمل في النفوس.. ولا شك أن من موجبات الصبر ومقاومة الأمة هذه الأيام لصور الظلم ، ولتحدي الطواغيت ، هو اعتقادنا بهذه الدولة الكريمة ، التي سيعز الله تعالى بها الإسلام وأهله ، إنه سميع مجيب.

admin
10-02-2013, 08:59 AM
- (اَللّـهُمَّ إِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة ، تُعِزُّ بِهَا الاِْسْلامَ وَاَهْلَهُ ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَأَهْلَهُ.. )..

وصلنا في دعاء الافتتاح -في هذا الشرح الموجز- إلى هذه الفقرات ، وحقيقةّ هذه الفقرات تصلح أن تكون شعاراً للأمة دائماً.. يا حبذا لو دعونا بهذا الدعاء في قنوتنا ، وفي سجودنا ، وفي جوف الليل ، وفي وضح النهار ، وأمام الكعبة ، وفي مواطن الاستجابة.. ويا ليت الذين يحكمون المسلمين ، الذين بيدهم مقاليد الأمور لو جعلوا هذا شعارهم في حكوماتهم.. فإن الحكومة الإسلامية ليست مقدمة لكسب المزايا ، والاستمتاع بالحياة الدنيا ، وإنما مقدمة لعزة الإسلام وأهله ، وهذا كان شعار النبي الأكرم (ص) ، إذ كان همه عزة الإسلام وعزة المسلمين..



- (تُعِزُّ بِهَا الاِْسْلامَ وَاَهْلَهُ..)..

الفقر والحاجة إلى الغير وإلى الأعداء ، خلاف العزة الإسلامية ؛ ولهذا فإن الحاكم الإسلامي عليه أن يقطع كل عوامل الارتباط مع الأعداء ، فهذه هي العزة الإسلامية التي نطالب بها في دعائنا ، وفي ساحة الحياة..



- (وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَأَهْلَهُ.. )..

ثم العبد المؤمن يطلب من الله عزوجل ذلة النفاق.. نحن نؤتى من المنافقين ، وإلا فالكافر شعاره واضح ، وقد ورد عن الإمام العسكري (ع) : أن (أضعف الأعداء كيداً ، من أظهر عداوته).. العدو الذي يبارز ويصارح بالعداوة ، فإن هذا عدو ضعيف.. وإنما الخوف كل الخوف من المنافقين ، الذين تلبسوا بلباس الإسلام ، والإسلام منهم براء.. ومن هنا أشد الناس عذاباً يوم القيامة ، الذين أساؤوا بفعلهم وقولهم ومواقفهم إلى الإسلام.. إذ أن الشعوب في العالم متعطشة للإسلام وللهدى ، ولكن عندما يرون الإسلام متجسداً في أعداء الإنسانية لا في أعداء الإسلام ، من الطبيعي هؤلاء ينفرون من دين الله.. إن هؤلاء من أظلم الناس ، الذين بفعلهم أعطوا صورة قاتمة ، لهذا الدين الحنفي الناصع ، هذه الشريعة السمحة السهلة.. نعم، البعض بموقفه ، أعطى هذه الصورة ، التي نفرت الأمم والمجتمعات البشرية ، من هذا الإسلام المحمدي الأصيل..

رزقنا الله تعالى وإياكم درك هذه الدولة الكريمة ، إنه سميع مجيب !.. والحمد لله رب العالمين.

admin
10-02-2013, 08:59 AM
هذه العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ، وقد كان النبي الأكرم (ص) يشد فيها المئزر ، ويتفرغ لعبادة الله عزوجل ، في اعتكاف مستمر : يصوم نهاره ، ويقوم ليله.. ينبغي علينا أن نستغل هذه الأيام الأخيرة من الشهر المبارك.. ومن المعلوم بأن الذي لم يغفر له في هذا الشهر ، فلا غفر الله له.. الشقي من حرم الغفران الإلهي في هذا الشهر العظيم..



- (وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ ، وَالْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ.. )..

قلنا في الحديث السابق أنه الحاكم الإسلامي شعاره هذا الدعاء : (اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة..) ، وفي هذا الفقرة نطلب من الله عزوجل أن لا نكون من الدعاة إلى الله عزوجل فحسب ، وإنما من القادة إلى سبيل الله عزوجل ... في القرآن الكريم في سورة الفرقان ، المؤمن يطلب من الله عزوجل ، أن يجعله للمتقين إماماً : {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} ، وفي هذا الدعاء أيضاً يطلب من الله عزوجل ، أن يكون من القادة إلى سبيل الله عزوجل .. ومن الواضح أن الذي يريد أن يكون قائداً إلى طاعة الله عزوجل ، لابد وأن يكون هو ممتثلاً لأوامر الله عزوجل ونواهيه ، ليكون داعياً إلى الله عزوجل بغير لسانه ، كما أمرنا أئمتنا (ع) : (كونوا لنا دعاة بغير ألسنتكم).



- (اَللّـهُمَّ ما عَرَّفْتَنا مِن الْحَقِّ فَحَمِّلْناهُ..)..

إن معرفة الحق سهلة.. إذ الإنسان بإمكانه أن يستمع إلى حديث ، أو إلى محاضرة ، أو يقرأ كتاباً أو مقالاً ، فيعرف الحق.. ومن المعلوم أن بعض الناس غيروا اتجاه حياتهم ورؤيتهم للحياة ، من خلال كتاب واحد ، أو عرفوا الحق في موقف واحد ، أو في ساعة واحدة.. ولكن التكليف الأكبر ، هو تحمل هذا الحق ، وأن يعمل الإنسان بلوازم الحق الذي عرفه ، وإلا أصبح هذا الحق حجة عليه يوم القيامة..



- (اَللّـهُمَّ الْمُمْ بِهِ شَعَثَنا ، وَاشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا ، وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنا ، وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنا ، وَاَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنا..)..

ثم في هذه الفقرة يشار إلى حالة الأمة قبل الظهور ، وهي حالة الصدع ، والفتق ، والذلة التي نعيشها هذه الأيام ، وقد تنبأ النبي الأكرم (ص) لهذه الحالة حيث قال : ( يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة الى قصعتها , قالوا : أو من قلة نحن يومئذ يارسول الله ؟.. قال : لا، إنكم يومئذ لكثير , ولكنكم كثرة كغثاء السيل).. فالعدد كبير ، الكم يعتنى به ، ولكن لا كيف لهذا الكم !..

ففي هذا الدعاء الإنسان يشتكي إلى الله عزوجل ، ويطلب منه أن يشعب به صدعنا.. ومن المعلوم أن فرج هذه الأمة -الفرج الحقيقي- بظهوره (ص).. ولكن هذا لا يعني أن نعفى من التكليف أبداً ؛ فإنه بسعينا ووحدتنا ، ومواجهتنا لعناصر الشر في هذا الوجود ، من موجبات تعجيل هذه الدولة الكريمة ، التي تحيا بها آمال الأنبياء والأوصياء..

أسال الله عزوجل بحق محمد وآل محمد ، أن يرينا هذه الدولة الكريمة ، إنه سميع مجيب !.

admin
10-02-2013, 08:59 AM
- (يا خَيْرَ الْمَسْؤولينَ ، وَأَوْسَعَ الْمُعْطينَ..)..

الإنسان الذي يريد أن يسأل أحداً ، فليبحث عن خير من يُسأل.. ومن المعلوم أن رب العالمين هو رب قادر ، ورب حكيم ، ورب رؤوف.. فهو قادر على قضاء الحاجة.. وحكيم : يعطي الإنسان الحاجة عند المصلحة ، فلا يعطيه ما يبعده عنه.. كذلك الذي طلب من النبي الأكرم (ص) المال الكثير ، وإذا به تكثر أمواله ، فيذهب خارج المدينة ، ويحرم من جوار المصطفى (ص).. وهو رؤوف بأعلى ما يمكن أن نتصوره من معاني الرأفة.. فهو قادر ، وحكيم ، ورؤوف ؛ فإذن هو خير المسؤولين.. أحدهم له تعبير جميل يقول فيه : ما أقبح أن يستجدي المستجدي من مستجدٍ آخر مثله !.. فقير يستجدي من فقير !.. هذا الإنسان حقيقة لا يفقه شيئاً !.. فينبغي علينا أن نتوجه إلى ذلك الغني المطلق ، الذي مقاليد السماوات والأرض بيده.



- (اِشْفِ بِهِ صُدُورَنا..)..

إن شفاء الصدر من الطلبات الكبرى في هذا الشهر الكريم.. لو أراد الإنسان أن يطلب من الله عزوجل شيئاً في ليالي القدر المباركة ، فليسأله تعالى أن يشفي صدره.. الصدر الذي رزق الشفاء ، هو ذلك الصدر الإبراهيمي ، {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.. إبراهيم (ع) جاء بقلب سليم ، فاتخذه الله خليلاً.. إذ لم يكن أمراً جزافياً ، وهذه السنة قائمة ، هذه المعاملة لم تكن معاملة استثنائية مع إبراهيم.. فكل من يأتي ربه بقلب منيب وبقلب سليم ، ويلقى الله عزوجل وليس في قلبه أحد سواه ، فإن هذا القلب مرشح لأن يكون قلباً إبراهيمياً.. وهنيئاً لمن اتخذه الله خليلاً !.. هل فكر المؤمن في هذه المزية : أن يصل إلى درجة يكون صديقاً لله عزوجل ؟.. كما نقرأ في الدعاء : (يا شفيق ، يا رفيق ، يا جاري اللصيق ، فكني من حلق المضيق !).. إذن، شفاء الصدر طلب مهم في هذا الشهر ، وفي كل أوان الإجابة.



- (وَأَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنا..)..

القلوب التي تحمل الغيظ والحقد للآخرين ، فإن هذه القلوب مبتلاة بداء الإنية.. ومن المعلوم -هذه الأيام- أن غضبنا وعداوتنا في غالب الأمر ، ليس لله عزوجل ؛ ولهذا لا ننصر في عداواتنا ؛ لأن الإنسان لم يأخذ موقفه لله عزوجل.. والحال بأننا أمرنا أن نجعل مشاعرنا القلبية : حباً وبغضاً ، إحجاماً وإقداماً ؛ متناسباً ومتناغماً ومتطابقاً ، مع إرادة المولى ومع ما يحبه المولى ، وعندئذ نصل إلى هذه الغاية.



- (وَاهْدِنا بِهِ لِمَا اخْتُلِفَ فيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِكَ..)..

الكثيرون يبحثون عن الحق ، ولكنهم يخطؤون الطريق.. ومن هنا أمرنا في كل يوم في سورة الفاتحة في صلواتنا ، أن نطلب من الله عزوجل ، أن يهدينا الصراط المستقيم.. ومن المعلوم أن الخط المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين.. فإن أقرب الطرق بين العبد وربه ، هو ذلك الطريق المستقيم ، والذي من خالفه هوى.

اللهم إنا نقسم عليك بأوليائك ، أن تجعلنا من السائرين على درب محمد وآل محمد ، إنك سميع مجيب والحمد لله رب العالمين !

jaroo7
03-09-2018, 11:54 AM
بارك الله فيك

نور الحسني
03-13-2024, 05:22 AM
احسنتم

جزاكم الله خير الجزاء