المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحجّ في النصوص القرآنية والروايات (2/2)


admin
10-02-2013, 09:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم يا كريم
السلام عليك سيدي ومولاي يا بقية الله في أرضهِ ورحمة الله وبركاته

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لماذا يوصف تارك الحج بالكافر؟

بعد هذه القراءة للروايات نطرح هذا السؤال:
* كيف جاز أن يوصف تارك الحجّ بلا عذر بالكفر، وبكونه يخيّر عند الموت بين الهودية أو النصرانية، فهو يقرّ بالشهادتين وينتسب إلى الإسلام؟!
بعض المفسرين يفهم قوله تعالى (ومن كفر) في آية الحجّ أي جحد وأنكر فرض الحج ولم يره واجبًا، ومن الواضح أن من أنكر ضروريًا من ضروريات الإسلام بلا شبهةٍ فهو كافر...
وهناك فهمٌ آخر لمعنى (الكفر) في هذه الآية وفي الكثير من الروايات أنّه (الكفر العمليّ)، الكفر قد يكون عقيديًّا حينما يعبّر عن إنكار الله سبحانه وتعالى أو إنكار المسلَّمات العقيديّة، أو إنكار الضرورات الإسلاميّة، وقد يكون (عمليَّا) حينما يعبّر عن التمرّد على أوامر الله سبحانه.. فربّما كان الإنسان مؤمنًا على مستوى العقيدة، إلا أنّه كافر على مستوى العمل..
وقد شاع استعمال هذا التعبير في الروايات حيث أطلقت على التارك والمتخلّي عن بعض الالتزامات والواجبات بأنّه (كافر) أو (غير مؤمن) أو (غير مسلم) أو (ليس منّا)...

ومن أمثلة ذلك:
* روي عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): (عن قول الله عز وجل: { وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْحَبِطَ عَمَلُهُ} فقال: ترك العمل الذي أقر به منه الذي يدع الصّلاة متعمّدًا، لا من سكرٍ ولا من علة) (1).
* عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن قال عند موته: (ليس منّي من استخفّ بصلاته لا يرد عليّ الحوض، لا وليس مني من شرب مسكرًا لا يرد عليّ الحوض لا والله) (2).
* وعنه (صلى الله عليه وآله): (ما بين المسلم وبين الكافر إلّا أن يترك الصلاة الفريضة متعمّدًا أو يتهاون بها فلا يصلّيها) (3).
* وعنهُ (صلى الله عليه وآله): (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع) (4).
* وعنه (صلى الله عليه وآله): (من أصبح لا يهتمّ بأمر المسلمين فليس من المسلمين) (5).
* وعنه (صلى الله عليه وآله): (أيّما مسلمَين تهاجرا فمكثا ثلاثًا لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام ولم يكن بينهما ولاية فأيّهما سبق إلى كلام أخيه كان السّابق إلى الجنّة يوم الحساب) (6).
* وعنه (صلى الله عليه وآله): (من غشّ مسلمًا في شراءٍ أو بيعٍ فليس منّا ويحشر يوم القيامة مع اليهود لأنّهم أغشّ الخلق للمسلمين) (7).
* وعنه (صلى الله عليه وآله): (من بات وفي قلبه غشّ لأخيه المسلم بات في سخط الله تعالى، وأصبح كذلك وهو في سخط الله حتى يتوب أو يرجع وإن مات كذلك مات على غير دين الإسلام) (8).
* وعنه (صلى الله عليه وآله): (من خان مسلمًا فليس منّا ولسنا منه في الدنيا والآخرة) (9).
* وعنه (صلى الله عليه وآله): (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) (10).

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ونخلص منها أنّ الانتماء إلى الإيمان والإسلام والدين ليس مجرد قضية فكريّة تعيش في المشاعر والذّهن، أو مجرد قضية عاطفيّة في المشاعر، الانتماء الحقيقيّ عملٌ وممارسة وسلوك، الانتماء الحقيقي التزام وتطبيق وتجسيد، وإلّا كان انتماءً كاذبًا زائفًـا، وإلّا كان انتماءً خاويًا فارغًا..
صحيحٌ أن الإنتماء في حاجة إلى (وعي) يتشكّل في العقل حتى لا يكون انتماءً ساذجًا غبيًا بليدًا..
وصحيح أن الانتماء في حاجة إلى (نبضٍ) يتشكّل في القلب حتى لا يكون انتماءً باردًا راكدًا فاترًا..
إلا أنّ القيمة الحقيقيّة حينما يتحوّل هذا الوعي ويتحوّل هذا النبض إلى عملٍ متحركٍ على الأرض، إلى التزامٍ بالواجبات، إلى مجانبةٍ للمحرمات..

* روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من أقام فرائض الله واجتنب محارم الله وأحسن الولاية لأهل بيتي وتبرّأ من أعداء الله فليدخل من أيّ أبواب الجنَّة الثمانية شاء) (11).
* روي رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( من ترك معصية الله مخافة من الله أرضاه الله يوم القيامة، ومن مشى مع ظالمٍ ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإيمان) (12).

حينما نقرأ الآيات القرآنيّة وهي تتحدّث عن الإيمان، فقلّما وجدنا آية لا تقرن العمل بالإيمان، {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (13).

هذا النص القرآني يضع أمامنا ثلاثة مكوّنات أساسية في بناء الشخصية الإيمانية:

المكون الأول:
الإيمان {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا}
الإيمان يشكّل (المكون الفكري) الذي يحدّد هوية الشخصية الإسلامية، وهنا تكون المفاصلة الواضحة بين هذه الشخصيّة الإيمانيّة والشخصيّات الأخرى التي لا تنطلق من (الإيمان) في عناصره الإسلاميّة.
المكون الثاني:
العمل الصالح {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
العمل الصالح يشكّل (المكون العمليّ والسلوكيّ) الذي يحدد مصداقيّة الشخصية الإسلامية وبلا هذا المكوّن تتجمّد ثقافة الإيمان في الذهن، وتتبلّد في المشاعر.
المكون الثالث:
التواصي بالحق والتواصي بالصبر {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
وهنا يتشكّل (المكوّن الرساليّ)، فالإنسان المنتمي إلى الإيمان يجب عليه:
أولاً: أن يمتلك عمق الإيمان.
ثانيًا: أن يجسّد عمليًا مضامين الإيمان.
ثالثًا: أن يحمل بصدق رسالة الإيمان والدعوة إلى الله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّن دَعَآ إلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًـا وَقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ} (14).
فالدعوة إلى الله تجسيدٌ للمسؤوليّة الرساليّة، والعمل الصالح تجسيدٌ لصدق الإنتماء، وقول {إنَّنِي من المسلمين} تأكيدٌ لهويّة الإنتماء.


أيها الأحبّـة:

قيمة الإنسان حينما يتحرك ليرسم كلّ المواقف العمليّة، مواقف العبادة، مواقف الأخلاق، مواقف العلاقات، مواقف الخيارات، مواقف الثقافة، مواقف السياسة، مواقف الاقتصاد، مواقف القبول والرفض، مواقف الرّضا والغضب، مواقف الحبّ والبغض، مواقف الولاء والعداء........
فما أكثر الذين يسقطون في امتحان العمل، في امتحان الموقف، في امتحان الممارسة... وما أكثر الذين يفشلون في تجربة الواجبات.. وتجربة المحرمات...
وما أكثر الذين يرسبون حينما يكون الاختبار أن يقفوا ضدّ الرغبات.. ضد الأنانيات... ضد العصبيات.. ضد الانتماءات..
إنّه الامتحان، وإنه الإبتلاء، امتحان الطاعة، وابتلاء الالتزام، أن نملك القدرة في أن نحوّل الإيمان إلى أفعال وممارسات {وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ جنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} (15).
أن نملك القدرة في أن نحوّل الانتماء إلى طاعة والتزام واستقامة {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (16).

متى تتنزّل عليهم الملائكة؟
1- عند خروج الروح، وهي من أخطر السّاعات التي تمرّ على الإنسان...
* روي عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: السَّاعة التي يعاين فيها ملك الموت، والسّاعة التي يقوم فيها من قبره، والسّاعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى) (17).. فما أشدّ رهبة الاحتضار {وَجَآءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (18).

2- وما أقسى لحظة انتزاع الروح على الكفار والعصاة...
* روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ( أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اشتكى عينه فعاده النبيّ (صلى الله عليه وآله) فإذا هو يصيح، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أجزعًا أم وجعًا؟ فقال: يا رسول الله ما وجعت وجعًا قط أشدّ منه، فقال: يا علي إنّ ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفودٌ من نار فينزع روحه به فتصيح جهنم.. فاستوى علي (عليه السلام) جالسـًـا فقال: يا رسول الله أعد عليَّ حديثك فلقد أنساني وجعي ما قلت، قم قال: هل يصيب ذلك أحدًا من أمَّتك؟ قال: نعم، حاكمٌ جائرٌ وآكل مال اليتيم ظلمـًا وشاهد زور ) (19).
في هذه اللحظة الرهيبة، لحظة الاحتضار، ولحظة خروج الروح (تتنزل الملائكة) لتبشر المؤمن، وتخفّف من روعه ورهبته...

3- كما تتنزّل عليه حينما يوضع في قبره، حينما ينفض عنه كلّ أحبته، حينما يبقى رهين عمله، حينما يحضرهُ منكرٌ ونكير، هناك تثبته الملائكة بالقول الثابت، وأن لا يخاف ولا يحزن وأن يبشر بالجنّة التي كان يوعد بها.

4- وتتنزّل عليه الملائكة حينما يخرج من قبره عريانًـا لابسـًـا كفنه..
* {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًـا كَـأنَّهُمْ إلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} (20)

5- وتتنزّل عليه الملائكة حينما تشتدّ الأهوال في يوم الحساب...
* {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } (21)
* {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ، إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ} (22).

المصادر:

(1) الحر العاملي: وسائل الشيعة: 1/21، أبواب مقدمات العبادة، باب ثبوت الكفر والارتداد، ح6.
(2) الصّدوق: علل الشرائع: 2/356، الباب 70، علة الاستخفاف بالصّلاة، ح7.
(3) الصّدوق، ثواب الأعمال: عقاب من ترك صلاة فريضة، ص231.
(4) الحرّ العاملي: وسائل الشيعة: 12/130، باب استحباب اطعام الجيران، ح1.
(5) النوري: مستدرك الوسائل: 11/116، باب وجوب معونة الضعيف، ح1.
(6) الحرّ العاملي: وسائل الشيعة: 12/262، باب تحريم هجر المؤمن، ح5.
(7) الحرّ العاملي: وسائل الشيعة: 12/209، باب تحريم الغش بما يخفى، ح10.
(8) المجلسي: بحار الأنوار: 72/284، الباب الثاني والسبعون، ح3.
(9) المجلسي: بحار الأنوار: 72/284، الباب الثاني والسبعون، ح3.
(10) النوري: مستدرك الوسائل: 16/97، باب نوادر ما يتعلق بكتاب النذر والعهد، ح3.
(11) الحر العاملي: وسائل الشيعة: 15/258، باب وجوب العفة، ح16.
(12) النوري: مستدرك الوسائل: 13/125، باب عدم جواز بيع المصحف، ح13.
(13) العصر: 1-3.
(14) فصّلت: 33.
(15) البقرة: 25.
(16) فصلت: 30.
(17) الصّدوق: الخصال: 119، أشد ساعات بني آدم، ح108.
(18) ق: 19.
(19) الكليني: الكافي: 3/253، باب النوادر، ح9.
(20) عبس: 34-37.
(21) الحجّ: 1-2.

* ارشادات روحيّة للحجّاج والزائرين .. سماحة السيد عبد الله الغريفي *


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام

jaroo7
03-04-2018, 07:35 PM
الله يعطيك العافية