المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبس من أنوار نهج البلاغة .. “أفضل الزهد اخفاء الزهد”


نور الحسني
04-09-2024, 05:56 AM
https://ar.shafaqna.com/wp-content/uploads/2024/03/%D9%86%D9%87%D8%AC%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D 8%BA%D9%87-1.jpg

قال أمير المؤمنين عليه السلام ((أفضل الزهد إخفاء الزهد)) الحكمة تصحح مفهوم شائع الخطأ عندنا وعند الكثير ممن يدعون الزهد فهم يظنون ان الزهد ان تظهر بمظهر الزاهد وهذا بحد ذاته يعطي لنا انطباعا عكسيا بينما العكس هو الصحيح كما هو ظاهر الحكمة اعلاه فليس الزهد ان لا تملك شيئا او تظهر بذلك بل الزهد ان لا يملكك شيئا وتخفي الزهد ..
فالزهد من الخصال الحميدة التي ينبغي التحلي بها والاتصاف بها مهما أمكن؛ لأنه يهيئ للإنسان فرصة التوافر على حالات نفسية عالية يبحث عنها الإنسان -غالباً- لأنها تريحه من عناء الدنيا والحياة المادية المتعبة بتطورها وتقنياتها وما تستوجبه من مظاهر تثقل روح الإنسان قبل جسده وتبعده عن ساحة رضوان الله – إلا من عصم الله تعالى-.
إذن فالإمام عليه السلام يدعو إلى التحلي بهذه الخصلة الحميدة ويؤكد على أمر مهم يكتسب أهمية بالغة وهو ضرورة عدم التظاهر والتجاهر بهذا الشيء لئلا يصاب الإنسان الزاهد بداء الغرور والاعجاب الذي تقل معه فرصة المواصلة والمتابعة على نفس الخطى على أساس أنه واصلٌ على هذه المرحلة المتقدمة فلا يلّم بذنب أو لا يضره شيء اتكالاً على الزهد فلا بدّ من الحذر من مصيدة الشيطان لئلا يقع الزاهد فيه لأنه بمرصد ومرقب من شياطين الجن والإنس فلأنه بدأ أولى خطواته على طريق الله تعالى وبدأ فعلاً بمخالفة هواه ونفسه الأمارة بالسوء، وهذا أمرٌ لا يروق لأعداء الله تعالى فيحاولون طرح العثرات وتكثير العراقيل فيكون العجب والإعجاب، استكثار العمل، استقلال عمل الآخرين، عدم الاعتناء بالغير، سوء المعاملة، المجابهة الحادّة، مما لا يتلاءم مع تعريف الزهد؛ لأن من أعرض عن الدنيا -التي هي موضوع الزهد هنا في المصطلح الأخلاقي- عليه أن يحتقر عملياً كل المغريات والصوارف الطبيعية والمصطنعة لأجل أن يتقرب من ساحة عفو الله تعالى ورحمته. ولا يكتفي برفع الشعارات لكسب الثقة مع أن الواقع بعيد ومتفاوت مع الظاهر.
فالإمام عليه السلام دلّنا على أفضل الطرق الموصّلة إلى الإعراض عن الدنيا بأن يجاهد الإنسان نفسه واقعياً ومن منطلق الداخل والضمير قبل منطلق المظهر الخارجي، فالزاهد حق الزهد من ابتعد عن الحرام ليتوفر بعد ذلك كله على ما يؤهله للارتقاء في سلالم الكمال. إذ الأمر غير مقتصر على لبس الخشن أو أكل الخشن أو المعاملة الخشنة بل الأمر يتسم بعمق أصيل ومرتكز متجذر -أو يجب أن يتجذّر- في الإنسان ليستقر في الأعماق فتنطلق التصرفات عن قناعة لا تقليد وعن وعي لا محاكاة، نعم لا يُنكر تأثير المحاكاة -أحياناً- إلا أن لها مرحلتها وتأثيرها المؤقت بكل تأكيد بينما يريد الإمام عليه السلام منّا أن نتعود ذلك ونتصف به لنكسب الأصدقاء على طريق الله تعالى المتمثل في الدعوة إلى الإسلام ومبادئه ومثله العليا التي تحقق للإنسانية ما تحلم به وتوفر لها كل وسائل التحضر والتقدم بكل أشكاله ومراحله -لكن بالشرط المذكور- أعني تجذّر الإيمان وانطلاق الفكرة من الأعماق.


وكالة اهل البيت عليهم السلام للانباء