المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عاشوراء .. فلسفة الذكرى


admin
10-30-2013, 09:47 AM
عاشوراء .. فلسفة الذكرى
نزار حيدر
http://www.alshirazi.net/maqalat/134.jpg
بسم الله الرحمن الرحيم
في الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة، يحضر المتخصصون دورات سنوية مكثفة، الغاية منها تحديث المعلومات وتحقيق الرقابة الذاتية أما للتطوير أو لإصلاح خطأ أو لإيجاد نوافذ جديدة وآفاق متجددة من اجل مستقبل أفضل، ولذلك لا تتوقف هذه الدول عند حد من المدنية والحضارة والرقي، أما في البلدان المتخلفة والتي يسمونها بـ«النامية»، فقد تمر عليها عقود من دون أي تجديد أو تحديث أو رقابة أو محاسبة.
انهم ينتظرون محطات التحديث على أحرَّ من الجمر لتتحول بالنسبة لهم الى دورة تاهيلية او تطويرية سنوية، لأن من طبيعة الإنسان الغفلة إذا لم يمر بمثل هذه المحطات.
هذا على الصعيد المادي، أما على الصعيد المعنوي فان لمحطات التاريخ الكبرى دور محوري ومفصلي في عملية التحديث والتجديد والرقابة والمحاسبة الذاتية، وهو الأمر الذي لم تغفل عنه شعوب الأرض المتقدمة، ففي الولايات المتحدة تعتبر أيام مثل الاستقلال والتحرير والذكرى، يوم الضحايا، من الأيام المهمة التي يحتفل بها الاميركيون بشكل ملفت للنظر، ناهيك عن مناسبات مثل يوم الشكر وغيرها، فهي أيام مقدسة عندهم تعطل فيها الدولة الفيدرالية، يحتفي بها البيت الأبيض كما يحتفي بها ابسط مواطن.
ولا تشذ شعوبنا عن بقية شعوب الأرض فان لها كذلك محطات تاريخية مهمة تحتفي بها وتحييها، كلٌ على طريقته، إلا ان هناك فروق جوهرية بيننا وبينهم على هذا الصعيد، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: الذكرى عندهم حية، تحضر عندهم من ماضيهم الى حاضرهم، وكأنها حدثت اليوم، ولذلك فهي تترك عندهم أثراً ما في حياتهم اليومية، ولهذا السبب فالذكرى عندهم ليست تاريخ انتهى أو ماض مرَّ، أبداً، وانما هي حاضر متجدد بمعانيه وقيمه وأخلاقياته وفي كل شيء، أما عندنا فالمحطات التاريخية ماض انقرض وتاريخ غابر، نتوقف عنده ولا نسعى لاستحضاره، ولهذا السبب لا تنفعنا الذكريات كثيراً، لأننا نذهب إليها من خلال العودة بحاضرنا الى الماضي، فلا تحضر قيمها ومعانيها في حاضرنا، إنها ماض وليس حاضر، وتاريخ وليس مستقبل، ولهذا السبب ترى ذكرياتنا جثث هامدة ملقاة أمامنا على الأرض.
إننا نتعامل مع التاريخ بإحدى ثلاث حالات:
فأما نتوقف عنده فيكون الجسد في الحاضر والعقل في الماضي، وهذا النموذج يمثله اليوم السلفيون التكفيريون الذين منحوا عقولهم إجازة مفتوحة وتمسكوا بالنص بلا تفكر او تدبر او تعقل.
وأما نتجاهل التاريخ بالمرة ولذلك ترانا نسعى لتكرار كل شيء بأنفسنا كالقرد الذي يقال انه لا يتعلم من تجارب الأجيال الماضية من فصيلته.
وأما نخلط الحدث بالتفسير فننتج تاريخاً جديداً على مقاساتناً، ليخدم مصالحنا وأهدافنا، وفي كل ذلك خطأٌ لا ينتج وعياً سليماً، ولا يترك أثراً ايجابياً.
ثانياً: عندهم، الذكرى عامل للتحديث والتجديد ولإصلاح ما فسد من أمورهم، خاصة على صعيد العلاقات العامة، أما عندنا فكل ذكرى هي سبب جديد لتمزقنا وتفرقنا وتشتتنا، لأننا لا نستنطق قيم الذكرى لتوحدنا وإنما نجتر الحدث في التاريخ الغابر فنتخاصم على شخوصه ورموزه بالنيابة عنهم بلا وعي وإدراك وعقل منفتح يستوعب الحدث ودروسه ليؤثر في حاضرنا كدروس تساعدنا على إصلاح شؤوننا وأمورنا التعيسة.
وها هي ذكرى سيد الشهداء سبط رسول الله صلى الله عليه واله الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام تحل علينا مرة أخرى، فتعود كربلاء وعاشوراء لترسم في أذهاننا مرة أخرى قيم البطولة والفداء والتضحية والإنسانية، قيمة انتصار الدم على السيف عندما يكون الأول على حق ويكون الثاني بيد ظالم مستبد.
فما الذي يجب أن تمثله لنا الذكرى لتترك أثرها في حاضرنا؟ ما الذي يجب فعله لنستوعب فلسفة الذكرى؟ ما الذي علينا القيام به من اجل أن نستوعب عاشوراء؟.
ان شهري محرم الحرام وصفر المظفر بمثابة الدورة السنوية المكثفة التي نشارك فيها من اجل تحقيق التجديد والتحديث والاصلاح وإعادة البناء، فإذا دخلنا هذه الدورة التعليمية السنوية وخرجنا منها بلا أي اثر او تغيير بشيء ما، فهذا يعني اننا لم نتعلم شيئا واننا لم نفهم معنى الذكرى ولم نستوعب قيمها، فمثلنا في هذه الحالة مثل من ينهي دورة تدريبة مركَّزة مدتها شهرين من دون ان تؤثر لا على طريقة عمله ولا على دخله الشهري مثلا او السنوي ولا على علمه وخبرته ولا على موقعه ومكانته ولا على اي شيء آخر.
إن أمامنا عدة أيام لنستقبل الذكرى العظيمة، ما يعني ان أمامنا فرصة للتفكير بطريقة التعامل معها إذا لم نكن قد فكرنا بذلك بعد، او ان نغير من المنهجية التي اخترناها في التعامل مع الذكرى اذا لم تكن مناسبة مثلا او يشوبها بعض الخطأ او عدم الجدية والواقعية والحقيقة.
يجب ان تترك الذكرى أثراً على المستويات المهمة التالية:
أولاً: على صعيد العقلية التي نفكر ونخطط ونفهم الأمور التي حولنا بها، إذ يلزم ان تغير الذكرى من عقلياتنا التي لازالت تحتكر الحقيقة المطلقة ولذلك نسعى بكل جهدنا الى إلغاء الآخر، او التي تتوقف عند التاريخ من دون التفكير في الحاضر والمستقبل، فعاشوراء مستقبل يأتينا من الماضي ليمر من حاضرنا.
إننا بحاجة ماسة الى أن نغير عقلياتنا على ضوء المنهج الحسيني الذي استوعب الزمن بكل تفاصيله بعيداً عن الأنانية والاستئثار والكراهية وتفضيل الموت إلى الحياة.
ثانياً: على صعيد القيم الإنسانية التي رسمت معالمها عاشوراء، فالحرية والكرامة والعزة والشخصية المستقلة ورفض العبودية والاستبداد وتحدي الظلم والقهر الذي تمارسه الأنظمة الشمولية البوليسية خاصة نظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج وعلى رأسها نظام آل سعود الذي صادر الدين والفتوى والمال العام والإعلام المضلل وتصرف بمقدسات المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة التي لم يعد الزائر لها آمن بسبب الممارسات الوحشية واللاإنسانية التي تمارسها ميليشيات الحزب الوهابي المحمي بسلطة الأسرة الفاسدة، ان كل ذلك نستوحيه من الذكرى العظيمة، وإلا فلو مرت علينا ونحن لازلنا عبيداً للنظام السياسي الفاسد او لم نستعيد عزتنا وكرامتنا، فان ذلك يعني اننا لم نفهم شيئا من فلسفة الذكرى أبداً.
ثالثاً: على صعيد المفاهيم الأساسية التي نبني بها مجتمعاً سليماً ونزيهاً وخالياً من الظلم والعبودية والتمييز والقتل، واقصد بها:
ألف/ الجهاد، والذي يبدأ من الجهاد الأكبر واقصد به جهاد النفس، والذي يساهم في إعادة صياغة الشخصية المنسجمة مع نفسها ومع واقعها فلا يكون (الدين لعق على السنتهم) نتاجر به كذبا وزورا ونرفعه شعارا ودثارا بلا اثر على سلوكنا اليومي.
باء/ الإصلاح، من خلال الاستعداد النفسي والروحي لقبول النقد وممارسة الرقابة الذاتية لنحاسب أنفسنا قبل ان يحاسبنا الآخرون، فعن الإمام عليه السلام: «زِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا، وَحَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا».
جيم/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي يعني في جوهره قبول التحدي على الصعيد السياسي والاجتماعي بما يساهم في خلق مجتمع سليم خال من الأنانية والاستئثار والانا التي تدمر من حولها.
انه يحرض على تحمل المسؤولية الفردية بعيدا عن ثقافة تحميل الآخرين للمسؤولية للتهرب منها، وبعيداً عن ثقافة (آني شعلية) التي حولت مجتمعنا الى أفراد اتكاليين لا يرتبطون برباط المسؤولية الجماعية التي تخلق الوحدة المجتمعية والتكافل الاجتماعي.
إن المجتمع الذي لا يتحسس الفرد فيه بالاخرين لهو مجتمع مشلول لا ينتج نجاحاً أبداً، ولهذا السبب نرى ان المجتمعات المنسجمة التي يتحسس الفرد فيها بمشاعر الاخرين لهو مجتمع إنساني يصفه الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه واله بقوله: «مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم، مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو، تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى»، على العكس منه المجتمع الذي لا يتحسس فيه الفرد لا بآلام الآخرين ولا بتطلعاتهم، كل ينادي (وآروحاه) انه مجتمع فاشل بكل المعايير، ولهذا السبب قال رسول الله صلى الله عليه واله: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» لأن أمثاله لا يتحسسون بشيء بسبب سيطرة الأنانية القاتلة على شخصيته، فهل تبني الأنانية مجتمعاً سليماً وناجحاً؟.
رابعا: وأخيراً على صعيد الأدوات، فعاشوراء التي حملت قيماً طاهرة أبت إلا أن تسعى إليها بأدوات طاهرة فلا غش ولا تزوير ولا كذب ولا نفاق ولا أي شيءٍ من هذا القبيل، فلقد اعتمدت عاشوراء العقل والمنطق والحوار والدليل، فلماذا إذاً لا زلنا نتشبث بأدوات القتل والفرض والإكراه كلما تحاورنا فيما بيننا؟ ألا يعني ذلك اننا لم نستوعب بعد عاشوراء؟ ان الذي يدّعي انه يستعد لإحياء الذكرى العظيمة عليه أن يسعى جاهداً لإحياء قيمها ومعانيها السامية فلا يكتفي بالمظاهر والعواطف على الرغم من أهميتها العظيمة فهي مصداق لقول الله عزوجل: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) إلا ان الأهم منها هو الجوهر والمحتوى، فالعِبرة ـ بكسر العين ـ أعظم مصداقاً لشعائر الله تعالى من العَبرة ـ بفتح العين ـ.
كيف ندعي الاستعداد لأحياء الذكرى والفساد المالي والإداري ينخر في مؤسساتنا ومجتمعاتنا؟ كيف ندعي ذلك والحقد والكراهية وروح الانتقام هي التي تحكم علاقاتنا؟ كيف ندعي ذلك والتمييز الديني والمذهبي والأثني والمناطقي و (المرجعي) هي التي تتحكم في مصائرنا؟ كيف ندعي ذلك والجهل مطبق في واقعنا وعبادة الشخصية وصناعة الأصنام والذلة للمسؤول هي التي تسيطر على شخصيتنا الحقيقية والحقوقية لا فرق؟ كيف ندعي ذلك وقد فقدنا الإنسانية في الأسرة وفي الجامعة وبين الحاكم والمحكوم وفي العمل؟ كيف ندعي ذلك وقد غابت عنا كل معايير النجاح كالخبرة والنزاهة والمعرفة والعلمية لتحل محلها معايير الفشل كالمحسوبية والحزبية الضيقة والأنانية والانتماء للعشيرة او المنطقة بدلا من الانتماء للوطن، المواطنة، وغيرها من المعايير التي دمرت مجتمعنا وكادت ان تأتي على مؤسسات الدولة من القواعد؟.
ان من يستعد لإحياء الذكرى، عليه أولا ان يستحضر قيمها ومعانيها السامية ليستنطقها دروسا تترك أثرها البليغ في حياته اليومية، والا فلا قيمة للذكرى ولا معنى لإحيائها سوى العبث وتضييع الوقت والجهد.
إن أية محاولة لإحياء ذكرى، أية ذكرى، لا تترك الأثر المطلوب في حياة الإنسان لهي عبث لا طائل من ورائه، ولذلك تعالوا نحرص على إحياء الجوهر قبل ان نحرص على إحياء المظهر، ونحرص على إحياء العِبرة قبل ان نحرص على إحياء العَبرة، ونحرص على إحياء المعاني قبل ان نحرص على إحياء الأشكال.
لتكن ذكرى عاشوراء هذا العام منطلقا للتغيير الذاتي على مستوى العقلية والشخصية والنفسية، لتتحول الذكرى الى مصدر للتحديث والتغيير والرقابة الذاتية والمجتمعية على حد سواء، ولنبتعد قليلا عن القشور ونقترب اكثر من الجوهر، ولنبتعد قليلا عن المظاهر لنقترب قليلا عن المعاني، وبذلك فقط يمكن ان تكون الذكرى مصدر الهام لنا في عملية التغيير الكبرى التي ننتظرها كل عام.
على الأقل ليمتحن الواحد منا نفسه ليتأكد بأنه ليس من مصاديق قول سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام: «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الديّانون» او ليمتحن نفسه في قوله عليه السلام: «هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»، لنتأكد باننا فعلا قد نجحنا في اختبار الادعاء فلسنا من الذين يكذبون على أنفسهم او يضحكون على ذقونهم يقولون ما لا يفعلون ويدعون ما لا يلتزمون به وينتمون بلسانهم ولا ينتمون بعقولهم ووعيهم.
فسلام على أبي الشهداء الحسين عليه السلام الذي منح الله تعالى كل شيء من اجل الإنسان ودينه الحق، فمنحه الله تعالى حب الأحرار في العالم وعلى مر التاريخ، فتخفق قلوبهم الى مثواه في كل عام، بل في كل حين.

صبرالدنيا
10-30-2013, 02:08 PM
بارك الله فيكبار

jaroo7
12-18-2017, 07:31 PM
احسنت فالطرح